فإن موضوعنا هو خطبة النبي صلى الله عليه وسلم التي خطبها بعرفة في عام حجة الوداع، والتي حدد فيها هوية هذه الأمة ومميزاتها وخصائصها، فقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وإن أول رباً أضع ربانا، ربا العباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم تسألون عني فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد).
في مطلع هذا الحديث يتكلم عليه الصلاة والسلام عن جواز القياس، وكأنه قال: كما أنكم تعلمون حرمة هذا اليوم، وحرمة هذا الشهر، وحرمة هذا البلد؛ فكذلك يجب عليكم أن تعلموا أن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم؛ لأنه ربما يجهل بعض الناس ذلك، فالذي يجهل حرمة الدماء أو حرمة الأموال أو حرمة الأعراض ينبغي عليه أن يعلم علماً يقينياً بحرمة هذا كما يعلم بحرمة الشهر واليوم والبلد، قال عليه الصلاة والسلام: (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا).
فهذا نص في جواز استخدام القياس الذي أنكره الظاهرية وقال به جماهير العلماء، وهو الحق من أقوالهم.