247-[256] كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ مِنْ مَكَّةَ يُخْبِرُ أن أبا التريك محمد بن الحسين الأطرابلسي حدثهم بمكة قال: ثنا أَبُو عُتْبَةَ أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ بْنِ سُلَيْمَانَ المؤذن الكندي الحجازي قال: ثنا يحيى بن سعيد العطار قال: ثنا يزيد بن عطاء الواسطي عن علقمة بن مرثد الحضرمي قال: انتهى الزهد إلى ثمانية نفر من التابعين عامر بن عبد الله القيسي وأويس القرني وهرم بن حيان العبدي والربيع بن خثيم الثوري وأبي مسلم الخولاني والأسود بن يزيد ومسروق [بن] (?) الأجدع والحسن بن أبي الحسن البصري
فأما عامر بن عبد الله: إن كان ليصلي فيتمثل له إبليس في صورة الحية فيدخل من تحت قَمِيصِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ جَيْبِهِ فَمَا يَمَسُّهُ فقيل له ألا تنحى الحية عَنْكَ؟ فَقَالَ: إِنِّي لأَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ أَنْ أَخَافَ سِوَاهُ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ الْجَنَّةَ لَتُدْرَكُ بِدُونِ مَا تَصْنَعُ فَقَالَ: وَاللَّهِ لأَجْتَهِدَنَّ ثُمَّ وَاللَّهِ لأَجْتَهِدَنَّ فَإِنْ نَجَوْتُ فَبِرَحْمَةِ اللَّهِ وَإِنْ دَخَلْتُ النَّارَ فَلِبُعْدِ جُهْدِي فَلَمَّا احْتُضِرَ بَكَى فَقِيلَ لَهُ أَتَجْزَعُ مِنَ الْمَوْتِ وَتَبْكِي؟ قَالَ: ومالي لا أَبْكِي وَمَنْ أَحَقُّ بِالْبُكَاءِ مِنِّي؟ وَاللَّهِ مَا أَبْكِي جَزَعًا مِنَ الْمَوْتِ وَلا حِرْصًا عَلَى دُنْيَاكُمْ رَغْبَةً فِيهَا وَلَكِنِّي أَبْكِي عَلَى ظَمَإِ الْهَوَاجِرِ وَقِيَامِ لَيْلِ الشِّتَاءِ وَكَانَ يَقُولُ: إِلَهِي فِي الدُّنْيَا الْهُمُومُ وَالأَحْزَانُ وَفِي الآخِرَةِ الْحِسَابُ وَالْعَذَابُ فَأَيْنَ الرَّوْحُ وَالْفَرَحُ.
وَأَمَّا الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ: فَقِيلَ لَهُ حِينَ أَصَابَهُ الْفَالِجُ لَوْ تَدَاوَيْتَ فَقَالَ: قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ الدَّوَاءَ حق ولكن ذكرت عادا وثمودا وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا كَانَتْ فِيهِمُ الأَوْجَاعُ وَكَانَتْ فِيهِمُ الأَطِبَّاءُ فَمَا بَقِيَ الْمُدَاوِي وَلا الْمُدَاوَى وَقَالَ غَيْرُهُ: فَلا النَّاعِتُ بَقِيَ وَلا الْمَنْعُوتُ قَالَ: وَقِيلَ لَهُ أَلا تَذْكُرُ النَّاسَ؟ قَالَ: مَا أَنَا عَنْ نَفْسِي بِرَاضٍ فَأَتَفَرَّغُ -[1253]- مِنْ ذَمِّهَا إِلَى ذَمِّ النَّاسِ إِنَّ النَّاسَ خَافُوا اللَّهَ فِي ذُنُوبِ النَّاسِ وَأَمِنُوا عَلَى ذُنُوبِهِمْ قَالَ: وَقِيلَ لَهُ كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ فَقَالَ: أصبحنا ضعافا (?) مُذْنِبِينَ نَأْكُلُ أَرْزَاقَنَا وَنَنْتَظِرُ آجَالَنَا.
قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ إِذَا رَآهُ قَالَ: وبشر المخبتين أَمَا إِنَّهُ لَوْ رَآكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَحَبَّكَ وَكَانَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ يقول: أما بعد فأعد زادك وخذ في جهازك وَكُنْ وَصِيَّ نَفْسِكَ.
قَالَ: وَأَمَّا أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيُّ: فَلَمْ يَكُنْ يُجَالِسُ أَحَدًا قَطُّ يَتَكَلَّمُ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا إِلا تَحَوَّلَ عَنْهُ فَدَخَلَ ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَنَظَرَ إِلَى نَفَرٍ قَدِ اجْتَمَعُوا فَرَجَا أَنْ يَكُونُوا عَلَى ذِكْرٍ وَخَيْرٍ فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ فَإِذَا بَعْضُهُمْ يَقُولُ قَدِمَ غلام لي فأصاب كذا وكذا وقال الآخر جَهَّزْتُ غُلامًا لِي فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ أَتَدْرُونَ مَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ؟ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَصَابَهُ مَطَرٌ غَزِيرٌ وَابِلٌ فَالْتَفَتَ فَإِذَا هُوَ بِمِصْرَاعَيْنِ عَظِيمَيْنِ فَقَالَ: لَوْ دَخَلْتُ هَذَا الْبَيْتَ حَتَّى يَذْهَبَ عَنِّي [هَذَا] (?) الْمَطَرُ فَدَخَلَ فَإِذَا الْبَيْتُ لا سَقْفَ لَهُ جَلَسْتُ إِلَيْكُمْ وَأَنَا أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا عَلَى ذِكْرٍ وَخَيْرٍ فَإِذَا أَنْتُمْ أَصْحَابُ دُنْيَا.
قَالَ: وَقَالَ لَهُ قَائِلٌ حِينَ كَبُرَ وَرَقَّ لَوْ قَصَرْتَ عَنْ بَعْضِ مَا تَصْنَعُ، فَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَرْسَلْتُمُ الْخَيْلَ أَلَسْتُمْ تَقُولُونَ لِفَارِسَهَا وَدِّعْهَا وَارْفُقْ بِهَا حَتَّى إِذَا رَأَيْتُمُ الْغَايَةَ فَلا تَسْتَبْقُوا مِنْهَا شَيْئًا؟ قَالُوا: بَلَى قَالَ: فَإِنِّي قَدْ أَبْصَرْتُ الْغَايَةَ وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ غَايَةً وَغَايَةُ كُلِّ ساعي الْمَوْتُ فَسَابِقٌ وَمَسْبُوقٌ.
وَأَمَّا الأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ فَكَانَ يَجْتَهِدُ فِي الْعِبَادَةِ يَصُومُ حَتَّى يَخْضَرَّ جَسَدُهُ وَيَصْفَرَّ وَكَانَ عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ يَقُولُ لَهُ لِمَ تُعَذِّبُ هَذَا الْجَسَدَ؟ فَيَقُولُ: -[1254]- إِنَّ الأَمْرَ جَدَّ كَرَامَةُ هَذَا الْجَسَدِ أُرِيدُ فَلَمَّا احْتُضِرَ بَكَى فَقِيلَ لَهُ: مَا هَذَا الْجَزَعُ قال: ومالي لا أَجْزَعُ وَمَنْ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنِّي وَاللَّهِ لو أتيت بِالْمَغْفِرَةِ مِنَ اللَّهِ لَهَمَّنِي الْحَيَاءُ مِنْهُ مِمَّا قَدْ صَنَعْتُ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرجل الذنب الصغير فيعفو عنه ولا يَزَالُ مُسْتَحِيًا مِنْهُ وَلَقَدْ حَجَّ ثَمَانِينَ حِجَّةً.
وَأَمَّا مَسْرُوقُ بْنُ الأَجْدَعِ فَإِنَّ امْرَأَتَهُ قَالَتْ: مَا كَانَ يُوجَدُ إِلا وَسَاقَيْهِ قَدِ انْتَفَخَتَا مِنْ طُولِ الصَّلاةِ قَالَتْ: وَإِنْ كُنْتُ وَاللَّهِ لأَجْلِسُ خَلْفَهُ فَأَبْكِي رَحْمَةً لَهُ فَلَمَّا احْتُضِرَ بَكَى فَقِيلَ لَهُ: مَا هَذَا الْجَزَعُ؟ فَقَالَ: ومالي لا أَجْزَعُ وَإِنَّمَا هِيَ سَاعَةٌ ثُمَّ لا أَدْرِي أَيْنَ يُسْلَكُ بِي طَرِيقَانِ بَعْدَ يَوْمِي لا أَدْرِي إِلَى الْجَنَّةِ أَمْ إِلَى النَّارِ؟
وَأَمَّا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ كَانَ أَطْوَلَ حُزْنًا مِنْهُ مَا كُنَّا نَرَاهُ إِلا أَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِمُصِيبَةٍ ثُمَّ قَالَ: نَضْحَكُ وَلا نَدْرِي لَعَلَّ اللَّهُ تَعَالَى اطَّلَعَ عَلَى بَعْضِ أَعْمَالِنَا فَقَالَ: لا أقبل منكم شيئا ويحك يا ابن آدَمَ مَا لَكَ فِي مُحَارَبَةِ اللَّهِ مِنْ طَاقَةٍ إِنَّهُ مَنْ عَصَى اللَّهَ فَقَدْ حَارَبَهُ والله لقد أدركت سبعين بدريا أكثر ثيابهم (?) الصُّوفُ لَوْ رَأَيْتُمُوهُمْ لَقُلْتُمْ: مَجَانِينَ وَلَوْ رَأَوْا خياركم لَقَالُوا: مَا لِهَؤُلاءِ مِنْ خَلاقٍ وَلَوْ رَأَوْا شراركم لقالوا: ما يؤمن هؤلاء بِيَوْمِ الْحِسَابِ وَلَقَدْ رَأَيْتُ أَقْوَامًا كَانَتِ الدُّنْيَا أَهْوَنَ عَلَى أَحَدِهِمْ مِنَ التُّرَابِ تَحْتَ قَدَمَيْهِ وَلَقَدْ رَأَيْتُ أَقْوَامًا عَسَى أَحَدُهُمْ أَلا يَجِدَ عشاء إِلا قُوتًا (?) فَيَقُولُ: لا أَجْعَلُ هَذَا كُلَّهُ فِي بَطْنِي لأَجْعَلَنَّ بَعْضَهُ لِلَّهِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ وإن كان أجوع ممن يتصدق بِهِ عَلَيْهِ.
قَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ فَلَمَّا قَدِمَ عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ الْعِرَاقَ أَرْسَلَ إِلَى الْحَسَنِ وَإِلَى الشَّعْبِيِّ فَأَمَرَ لَهُمَا بِبَيْتٍ فَكَانَا فِيهِ شَهْرًا أَوْ نَحْوَهُ ثُمَّ إِنَّ الْخَصِيَّ -[1255]- غَدَا عَلَيْهِمَا ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ إِنَّ الأَمِيرَ دَاخِلٌ عَلَيْكُمَا يَعْنِي فَدَخَلَ عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ مُتَوَكِّئٌ عَلَى عَصًا لَهُ فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ مُعَظِّمًا لَهُمَا فَقَالَ إِنَّ الأَمِيرَ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ يَكْتُبُ إِلَيَّ كُتُبًا أَعْرِفُ أَنَّ فِي إِنْفَاذِهَا الْهَلَكَةَ فَإِنْ أَطَعْتُهُ عَصَيْتُ اللَّهَ وَإِنْ عَصَيْتُهُ أَطَعْتُ اللَّهَ فَمَا تَرَيَا لِي في متابعتي إياه فرجا قَالَ الْحَسَنُ أَجِبِ الأَمِيرَ فَتَكَلَّمَ الشَّعْبِيُّ فَانْحَطَّ فِي حَبْلِ ابْنِ هُبَيْرَةَ فَقَالَ مَا تَقُولُ أَنْتَ يَا أَبَا سَعِيدٍ فَقَالَ أَيُّهَا الأَمِيرُ قَدْ قَالَ الشَّعْبِيُّ مَا قَدْ سَمِعْتُ قَالَ مَا تَقُولُ قَالَ أَقُولُ يَا عُمَرُ بْنَ هُبَيْرَةَ يُوشِكُ أَنْ يَنْزِلَ بِكَ مَلَكٌ مِنْ مَلائِكَةِ اللَّهِ فَظًّا غَلِيظًا لا يَعْصِي اللَّهَ مَا أَمَرَهُ فَيُخْرِجُكَ مِنْ سَعَةِ قَصْرِكَ إِلَى ضِيقِ قَبْرِكَ يَا عُمَرُ بْنَ هُبَيْرَةَ إِنْ تعصي اللَّهَ لا يَعْصِمْكَ مِنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَلَنْ يَعْصِمَكَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنَ اللَّهِ يَا عُمَرُ بْنَ هُبَيْرَةَ لا تَأْمَنْ أَنْ يَنْظُرَ اللَّهُ إِلَيْكَ نَظْرَةَ مَقْتٍ عَلَى أَقْبَحِ مَا تَعْمَلُ فِي طَاعَةِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَيُغْلَقَ بِهَا بَابُ الْمَغْفِرَةِ دُونَكَ يَا عُمَرُ بْنَ هُبَيْرَةَ لَقَدْ أَدْرَكْتُ نَاسًا مِنْ صَدْرِ هَذِهِ الأُمَّةِ كَانُوا وَاللَّهِ عَلَى الدُّنْيَا وَهِيَ مُقْبِلَةٌ أَشَدَّ إِدْبَارًا عَلَيْهَا مِنْ إِقْبَالِكُمْ عَلَيْهَا وَهِيَ مُدْبِرَةٌ يَا عُمَرُ بْنَ هُبَيْرَةَ إِنِّي أُخَوِّفُكَ مَقَامًا خَوَّفَكَهُ اللَّهُ فَقَالَ {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} يا عُمَرُ بْنَ هُبَيْرَةَ إِنْ تَكُ مَعَ اللَّهِ فِي طَاعَتِهِ كَفَاكَ بَائِقَةَ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَإِنْ تَكُ مَعَ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَكَلَكَ إِلَيْهِ
قَالَ فَبَكَى ابْنُ هُبَيْرَةَ وَقَامَ بِعَبْرَتِهِ قَالَ: فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَرْسَلَ إِلَيْهِمَا بِإِذْنِهِمَا وَجَوَائِزِهِمَا فَأَكْثَرَ فِيهَا لِلْحَسَنِ وَكَانَ فِي جَائِزَةِ الشَّعْبِيِّ بَعْضُ الإِقْتَارِ فَخَرَجَ الشَّعْبِيُّ إِلَى الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُؤْثِرَ اللَّهَ عَلَى خَلْقِهِ فَلْيَفْعَلْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا -[1256]- عَلِمَ الْحَسَنُ مِنْهُ شَيْئًا فَجَهِلْتُهُ وَلَكِنْ أَرَدْتُ وَجْهَ ابْنِ هُبَيْرَةَ فَأَقْصَانِي اللَّهُ مِنْهُ فكان الحسن مع الله على طاعته فحباه الله وأدناه
قال وقام الْمُغِيرَةُ بْنُ مخادش ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى الْحَسَنِ فقال كيف نصنع بِمُجَالَسَةِ أَقْوَامٍ يُخَوِّفُونَنَا حَتَّى تَكَادَ قُلُوبُنَا تَطِيرُ؟ فَقَالَ الْحَسَنُ وَاللَّهِ لأَنْ تَصْحَبَ أَقْوَامًا يُخَوِّفُونَكَ حتى يدركك الأمن خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَصْحَبَ أَقْوَامًا يُؤَمِّنُونَكَ حَتَّى تَلْحَقَكَ الْمَخَاوِفُ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ أَخْبِرْنَا بِصِفَةِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَكَى ثُمَّ قَالَ ظَهَرَتْ مِنْهُمْ عَلامَاتٌ بِالْخَيْرِ فِي السِّيمَاءِ وَالصَّمْتِ وَالصِّدْقِ وَآنَسْتُ عَلانِيَتَهُمْ بالاقتصاد ومماثلهم بالتواضع ومنطقهم بالعمل ويطيب مَطْعَمِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ بِالطَّيِّبِ مِنَ الرِّزْقِ وَخُضُوعَهُمْ بِالطَّاعَةِ لربهم واستعدادهم للحق فيما أحبوا وكرهوا وإعطائهم الحق من أنفسهم للعدو وَالصَّدِيقَ وَتَحَفُّظَهُمْ فِي الْمَنْطِقِ مَخَافَةَ الْوِزْرِ وَمُسَارَعَتَهُمْ فِي الْخَيْرِ رَجَاءَ الأَجْرِ وَالاجْتِهَادَ لِلَّهِ رَمَّوْا جهازهم في أجسادهم وكانوا أوصياء أنفسهم ظمئت هَوَاجِرُهُمْ وَنَحَلَتْ أَجْسَامُهُمْ وَاسْتَحَقُّوا سَخَطَ الْمَخْلُوقِينَ بِرِضَا الْخَالِقِ لَمْ يُفَرِّطُوا فِي غَضَبٍ وَلَمْ يَحِيفُوا فِي جَوْرٍ وَلا تَجَاوَزُوا حُكْمَ اللَّهِ فِي الْقُرْآنِ شَغَلُوا الأَلْسُنَ بِالذِّكْرِ وَبَذَلُوا لِلَّهِ دِمَاءَهُمْ حِينَ اسْتَنْصَرَهُمْ وَبَذَلُوا لِلَّهِ أَمْوَالَهُمْ حِينَ اسْتَقْرَضَهُمْ فَلَمْ يَكُنْ خَوْفُهُمْ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ حَسُنَتْ أَخْلاقُهُمْ وهانت مؤنتهم فَكَفَى الْيَسِيرُ مِنْ دُنْيَاهُمْ إِلَى آخِرَتِهِمْ.
وَأَمَّا أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ فَإِنَّ أَهْلَهُ ظَنُّوا أَنَّهُ مَجْنُونٌ فَبَنَوْا لَهُ بَيْتًا عَلَى بَابِ -[1257]- دَارِهِمْ فَكَانَ يَأْتِي عَلَيْهِ السَّنَةُ وَالسَّنَتَانِ لا يَرَوْنُ لَهُ وَجْهًا كَانَ طَعَامُهُ مِمَّا يَلْقُطُ مِنَ النَّوَى فَإِذَا أَمْسَى بَاعَهُ لإِفْطَارِهِ وَإِنْ أَصَابَ حَشَفَةً خَبَّأَهَا لإِفْطَارِهِ.
قَالَ فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ الخطاب [رضي الله عنه] قال يا أيها النَّاسُ قُومُوا بِالْمَوْسِمِ فَقَالَ أَلا اجْلِسُوا إِلا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَجَلَسُوا فَقَالَ أَلا اجْلِسُوا إِلا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَجَلَسُوا فَقَالَ أَلا اجْلِسُوا إِلا مَنْ كَانَ مِنْ مُرَادٍ فَجَلَسُوا فَقَالَ أَلا اجْلِسُوا إِلا مَنْ كَانَ مِنْ قَرَنٍ فَجَلَسُوا إِلا رجل وكان عم أويس بن أنيس فقال عمر له أقرني أنت قال نعم قال أتعرف أويس قَالَ وَمَا تَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَوَاللَّهِ مَا فِينَا أَحْمَقُ مِنْهُ وَلا أَجَنُّ مِنْهُ وَلا أَهْوَجُ مِنْهُ فَبَكَى عُمَرُ قال بِكَ لا بِهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول يدخل الجنة بشفاعته مثل ربيعة ومضر
فقال هرم بن حيان العبدي فَلَمَّا بَلَغَنِي ذَلِكَ قَدِمْتُ الْكُوفَةَ فَلَمْ يَكُنْ لِي هَمٌّ إِلا طَلَبُهُ حَتَّى سَقَطْتُ عَلَيْهِ جَالِسًا عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ نِصْفَ النَّهَارِ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاةِ فَعَرَفْتُهُ بِالنَّعْتِ الَّذِي نُعِتَ لِي فَإِذَا رجل لحيم آدم شديد الأدمة أشعث مَحْلُوقُ الرَّأْسِ مَهِيبُ الْمَنْظَرِ وَزَادَ غَيْرُهُ كَانَ رجل أَشْهَلَ أَصْهَبَ عَرِيضَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ وَفِي كَتِفِهِ الْيُسْرَى وَضَحٌ ضَارِبٌ بِلِحْيَتِهِ عَلَى صَدْرِهِ نَاصِبَ بَصَرِهِ مَوْضِعَ السُّجُودِ، قَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلامَ وَنَظَرَ إِلَيَّ وَمَدَدْتُ يَدِي إِلَيْهِ لأُصَافِحَهُ فَأَبَى أَنْ يُصَافِحَنِي فَقُلْتُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَا أُوَيْسُ وَغَفَرَ لَكَ كَيْفَ أَنْتَ رَحِمَكَ اللَّهَ وَخَنَقَتْنِي الْعَبْرَةُ مِنْ حُبِّي إِيَّاهُ وَرِقَّتِي عَلَيْهِ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حَالِهِ حَتَّى بَكَيْتُ وَبَكَى قَالَ وَأَنْتَ فَحَيَّاكَ اللَّهُ يَا هَرِمُ بْنَ حَيَّانَ كَيْفَ أَنْتَ يَا أَخِي من دلك عَلَيَّ؟ قُلْتُ اللَّهُ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا فَقُلْتُ لَهُ فَمِنْ أَيْنَ عَرَفْتَ اسْمِي -[1258]- وَاسْمَ أَبِي وَمَا رَأَيْتُكَ قَبْلَ الْيَوْمِ وَلا رَأْيَتَنِي قَالَ أَنْبَأَنِي بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ عَرَفَتْ روحي روحك حيث كلمت نفسي نفسك إن الأرواح لها أنفاس كأنفاس الأجساد وأن المؤمنين لَيَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَتَحَابُّونَ بِرُوحِ اللَّهِ وَإِنْ لَمْ يَلْتَقُوا وَيَتَعَارَفُوا وَإِنْ نَأَتْ بِهِمُ الدِّيَارُ وَتَفَرَّقَتْ بِهِمُ الْمَنَازِلُ قُلْتُ حَدِّثْنِي رَحِمَكَ اللَّهُ عَنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنِّي لَمْ أُدْرِكْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُنْ لِي مَعَهُ صُحْبَةٌ بِأَبِي وَأُمِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رِجَالا رَأَوْهُ وَلَسْتُ أُحِبُّ أَنْ أَفْتَحَ هَذَا الْبَابَ عَلَى نفسي أن أَكُونُ مُحَدِّثًا أَوْ قَاصًّا أَوْ مُفْتِيًا فِي نَفْسِي شُغُلٌ عَنِ النَّاسِ قُلْتُ أَيْ أَخِي اقْرَأْ عَلَيَّ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَسْمَعْهَا منك وَأَوْصِنِي بِوَصِيَّةٍ أَحْفَظْهَا فَإِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ
قَالَ فَأَخَذَ بِيَدِي ثُمَّ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ قَالَ رَبِّي وَأَحَقُّ الْقَوْلِ قَوْلُ رَبِّي وَأَصْدَقُ الْحَدِيثِ حَدِيثُ ربي فقرأ {وما خلقنا السماوات وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بالحق} إلى قوله {إنه هو العزيز الرحيم} فَشَهَقَ شَهْقَةً فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَأَنَا أَحْسَبُهُ قَدْ غُشِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ يَا هَرِمُ بْنَ حيان مات أبوك حيان ويوشك أَنْ تَمُوتَ أَنْتَ فَإِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إلى النار ومات أبوك آدم ويوشك أن تموت وماتت أمك حواء يا ابن حيان ومات نوح نبي الله وَمَاتَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ وَمَاتَ مُوسَى نَجِيُّ الرَّحْمَنِ وَمَاتَ دَاوُدُ خَلِيفَةُ الرَّحْمَنِ وَمَاتَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين وَمَاتَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَاتَ أَخِي وَصَدِيقِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنه فقلت له إِنَّ عُمَرَ لَمْ يَمُتْ قَالَ بَلَى قَدْ نَعَاهُ إِلَيَّ رَبِّي وَنَعَى إِلَيَّ نَفْسِي وَأَنَا -[1259]- وأنت من الْمَوْتَى ثُمَّ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا بِدَعَوَاتٍ خِفَافٍ ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ وَصِيَّتِي إِيَّاكَ كِتَابُ اللَّهِ وَنَعْيُ الْمُرْسَلِينَ ونعى صالح المؤمنين وعليك بذكر الموت وَلا يُفَارِقْ قَلْبَكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ مَا بَقِيتَ فَأَنْذِرْ بِهَا قَوْمَكَ إِذَا رَجَعْتَ إِلَيْهِمْ وَانْصَحِ الأُمَّةَ جَمِيعًا وَإِيَّاكَ أَنْ تُفَارِقَ الْجَمَاعَةَ فَتُفَارِقَ دِينَكَ وَأَنْتَ لا تَعْلَمُ فَتَدْخُلَ النَّارَ وَادْعُ لِي وَلِنَفْسِكَ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا يزعم أَنَّهُ يُحِبُّنِي فِيكَ وَزَارَنِي مِنْ أَجْلِكَ فَعَرِّفْنِي وَجْهَهُ فِي الْجَنَّةِ وَأَدْخِلْهُ عَلَيَّ فِي دَارِكَ دَارِ السَّلامِ وَاحْفَظْهُ مَا دَامَ فِي الدُّنْيَا حَيًّا وَأَرْضِهِ بِالْيَسِيرِ وَاجْعَلْهُ لِمَا أَعْطَيْتَهُ مِنْ نِعْمَتِكَ مِنَ الشَّاكِرِينَ وَاجْزِهِ عَنِّي خَيْرًا ثُمَّ قَالَ السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ لا أَرَاكَ بَعْدَ الْيَوْمِ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَإِنِّي أَكْرَهُ الشُّهْرَةَ وَالْوَحْدَةُ أَعْجَبُ إِلَيَّ لأَنِّي كَثِيرُ الْغَمِّ مَا دُمْتُ مَعَ هَؤُلاءِ النَّاسِ حَيًّا وَلا تسأل عَنِّي وَلا تَطْلُبْنِي وَاعْلَمْ أَنَّكَ مِنِّي عَلَى بَالٍ وَإِنْ لَمْ أَرَكَ وَتَرَانِي فَادْعُ لِي فَإِنِّي سَأَدْعُو لَكَ وَأَذْكُرُكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ انطلق أنت ها هنا حتى آخذ أنا ها هنا فَحَرَصْتُ أَنْ أَمْشِيَ مَعَهُ سَاعَةً فَأَبَى عَلَيَّ ففارقته وأنا أبكي وبكى (?) فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِي قَفَاهُ حَتَّى دَخَلَ بَعْضَ السِّكَكِ ثُمَّ سَأَلْتُ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَطَلَبْتُهُ فَمَا وَجَدْتُ أَحَدًا يُخْبِرُنِي عَنْهُ بِشَيْءٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَفَرَ لَهُ وَمَا أَتَتْ عَلَيَّ جُمُعَةٌ إِلا وَأَنَا أَرَاهُ فِي مَنَامِي مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ.
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ عَطَاءٍ الْوَاسِطِيِّ وَهُوَ مَوْلَى أَبِي عَوَانَةَ مِنْ فَوْقٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ الْحَضْرَمِيِّ مَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْعَطَّارِ الْحِمْصِيِّ عَنْهُ وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى الْحِمْصِيُّ أَيْضًا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْعَطَّارِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو عُتْبَةَ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.