تحكم سلوك الأفراد والدول. ولقد يصدمنا أحياناً أن نرى عالماً يدفع الدقة العلمية إلى أقصى مداها، وهو مع ذلك يسمح بتساهل غريب في أمر الحقيقة المجردة، فيدهشنا ما نراه يتخذ من الاحتياطات الشاذة إزاء هذه الحقيقة، كأنه يواجه خطراً قاتلاً، ولقد تدور عيناه أمام طريق الحقيقة البسيط المستقيم، كأنما يغشى عليه من الهاوية.
لقد يكون لازماً للفكر الحديت أن تقوم ثورة ثقافية لتحدث في الإدراك البشري التركيب الواقعي للجمال وللحق، ومهما كان الأمر، فإن للإسلام في هذا التوقع العالمي لتحديد ثقافة شاملة دوراً كبيراً، إذ هو يأتي بعناصر ثقافية جوهرية، كما يأتي بعناصر جغرافية وسياسية ذات أهمية خاصة لبناء فكرة الأفرسيوية.
ولكنا ندرك أيضاً أنه لكي يؤدي الإسلام بصورة فاعلة هذا الدور المزدوج، فإن عليه أن يترجم قيمه الروحية إلى نظام اجتماعي، كما يترجم إليه جميع إمكانياته الطبيعية، بحيث يحوِّل هذه وتلك إلى حلول مادية للمشكلات التي تواجهه في الإطار الأفرسيوي، أو في الإطار الإنساني.
ولكن دور الإسلام ابتداء من هذه النقطة لن يكون دور دين، أو دور مجال مساحي مجرد- هو القارة الوسيطة ( Le continent intermédiaire) - وإنما هو دور مجتمع، فهو يتصل حينئذ اتصالاً نوعياً بالدور التاريخي للرجل المسلم. ولا مجال هنا لكي نؤكد الأهمية الجغرافية السياسية (القارة الوسيطة) تلك الأهمية التي أكدتها فعلاً التطورات الأخيرة في الحالة الدولية، حين أثبت أن ميزان السلام والحرب إنما يقوم حقاً في الشرق الأوسط حيث يقع مركز الثقل في الاستراتيجية العالمية (?). فالدور التاريخي للعالم الإسلامي يتحدد إذن بوضعه الاجتماعي، ولقد حدد هذا الوضع- وإن كان بصورة غير مباشرة- حديث