وهي على هذا الضعف، وعلى هذا العجز، وهذه المعايب كلها، قد سمت بها هِمَم أهلها، حتى فرضوها على ربع أهل الأرض، وأنطقوهم بها. ولغتنا العربية، وهي أكمل لغات البشر، وأجودها مخارج، وأضبطها قواعد، ذات القياس المطرد، والأوزان المعروفة، قد أضاعها أهلوها وأهملوها، لم يكفهم أن قعدوا عن نشرها وتعليمها الناس كما فعل أجدادهم من قبل، بل هم قد تنكروا لها، وأعرضوا عنها، وجهلها حتى كثير ممن يدرسها، وجهلها حتى كثير ممن يدعون الأدب فيها، وأين اليوم من أدباء العربية كلهم من يروي من الشعر مثل رواية الشنقيطي؟ أو يعرف من علوم العربية مثل معرفة حمزة فتح الله؟ أو يتذوقها ويكتب فيها مثل كتابة الرافعي؟ أويحفظ من نوادر نصوصها مثل حفظ النشاشيبي؟ وإذا ولَّى غداً (بعد عمر طويل) هؤلاء النفر من أدباء مصر وكتابها، فمن يبقى المرجع في اللغة وعلومها؟.
العربية في خطر يا أيها العرب، العربية في خطر يا من يعتز بالقومية، إن اللغة هي ركن القومية الركين ولقد عملت في بناء حضارتنا عوامل مختلفات منذ عهد العباسيين، ودخلت فيها (في الفكر وفي العادات)، عناصر أجنبية يونانية وفارسية وهندية، ولكن بقي الدين إسلامياً خالصاً، وبقيت اللغة عربية خالصة، فملكنا نحن هذا كلَّه ولم يملكنا وكان من أبناء هذه الشعوب غير العربية، علماء في ديننا، وأئمة في لغتنا وأدباء: شعراء وكتاب، في لساننا، ولم يخل عصر من العصور، من أئمة في اللغة وحفظة لها من عصور الانحطاط، التي توالت علينا منذ القرن الثامن الهجري إلى أن أشرق فجر النهضة الجديدة. وفي هذه العصور ألفت أكبر المعاجم اللغوية، (لسان العرب) و (شرح القاموس) وهذه أول مرة تتعرض فيها العربية إلى هذا الخطر، وهو أن تفقد الإمام اللغوي. ومن ظن أني أتشاءم أو أبالغ، فإني أعود فأساله أن يدلني على إمام في العربية ضليع فيها، يخلف هؤلاء النفر الباقين من شيوخ الأدب في مصر؟
لقد كدنا نجهل لغتنا ومن شك فليمتحن نفسه، فليفتح لسان العرب وليقرأ فيه عشرة أبيات متتابعة من شواهده، من أي صفحة شاء، فإن فهمها