فكر ومباحث (صفحة 45)

ضعيفة أو قوية، ولها في سلسلة الآثار الأدبية مكان خفي أو ظاهر: أي أن يعرف العوامل التي عملت في تكوين الأديب- ويقف على ميول الأديب وأخلاقه- ويطلع على ترجمته وأخباره- ثم يعمد إلى أدبه فيفهم نصوصه ويحللها- وينظر مقدار صلته بنفس صاحبه- ومقدار تأثيره في عصره- وينطوي تحت كل جملة من هذه الجمل، عنصر من عناصر التحليل الأدبي.

العوامل التي تعمل في تكوين الأديب:

هل إلى حصر هذه العوامل من سبيل؟ هل تستطيع أن تعرف العوامل التي كوَّنت شخصيتك؟ هل تعرف كل خلق من أخلاقك، وطبع من طباعك، من أين مصدره، وما هو منحدره إلى نفسك؟ إن الشخصية تتكون في الإنسان تبعاً لماضيه، والأعمال التي قام بها في هذا الماضي والمكانة التي تبوَّأها، والخطيئات التي ارتكبها، وتتكون تبعاً لحاضره، فتختلف باختلاف منزلته في الحياة، والمرتبة التي حازها، والشهرة التي نالها، والمال الذي حصَّله، وتتكون تبعاً لمستقبله، والآمال التي يحملها في صدره، والسبل التي مهدها لبلوغ تلك الآمال، تتكون شخصية الإنسان تبعاً لعوامل كثيرة معقَّدة، منها الظاهر ومنها الخفي. ولا سبيل إلى استعراضها كلها، ولكنا نستعرض طائفة من العوامل نعتقد أنها ذات الأثر الأكبر في تكوين الأدباء. هي:

الزمان - والبيئة - والثقافة - والوراثة - والتكوين الجسمي.

الزمان:

على إخواننا طلاب البكالوريا أن يتنبَّهوا إذا أخذوا في الكلام على زمان الشاعر، كيلا يقعوا في الخطأ الذي وقع فيه كثيرون، ويحترسوا من أن يكون كلامهم على الزمان كلام مؤرِّخ إذ إن المؤرخ يؤرخ كل شيء، ينال ببحثه السياسة والحروب، والعلم والعادات، وبلاط الملوك ومجامع السوقة، أما مؤرخ الأدب فلا ينبغي له أن ينصرف إلا إلى شيء واحد، يقصر عليه بحثه ويبذل في اكتشافه جهده، هو (الذوق الأدبي العام).

لكل عصر ذوق أدبي عام خاص به، والأديب في كل عصر يحسُّ بضغط

طور بواسطة نورين ميديا © 2015