وكتب عنه أخي وصديقي الأستاذ عبد المنعم خلاف صاحب الكتاب العبقري (أومن بالإنسان)، وردَّ الأستاذ سيد وكانت هذه المناظرة التي رأيت أن أُدْخل نفسي فيها لأقول كلمة على (هامشها ...)، وهذه هي المرة الثانية أتطفَّل فيها على مناظرات الأستاذ قطب، ولكن ليطمئن القراء فما هي كالأولى ولا هي منها في شيء، وأنا في هذه المرة مؤيد له وقد كنت في الأولى عليه، وهذه مناظرة هادئة باسمة، وقد كانت تلك معركة صاخبة مجلجلة كالحة الوجه عابسة، وأنا أعرف الآن الأستاذ قطب وكنت أتخيَّله تخيلاً، والأستاذ خلَّاف أخي حقيقة، والأستاذ قطب رفيقي في دار العلوم سنها 1928 على ذمة الأستاذ اللبابيدي الفلسطيني الذي نشر ذلك في الرسالة إبَّان المعركة الأولى (معركة الرافعي والعقاد)، فأنا لست إذن غريباً عن المتناظرين.
...
لخَّص الأستاذ قطب الخلاف بينه وبين الأستاذ خلاف، في كلمات هي أنه (هل من الممكن أن نعهد إلى الذهن وحده بأمر العقيدة، وأن نقيم هذا البناء الضخم في الضمير الإنساني على أساس القوة الذهنية ومنطقها المعهود)؟ وأجاب عليها بالنفي.
وأنا أجيب كذلك بالنفي، ولكني أمهِّدُ لذلك بتحديد معنى الذهن أو العقل (كما أفهمه أنا)، ومعنى العاطفة، وهذه طريقة علمائنا في الجدل، إذ ربما اختلف اثنان، وما اختلافهما في الحقيقة إلا على معاني الألفاظ، فكلٌّ يريد بها شيئاً، وليس بينهما لفظ جامع يرجعان إليه، ويستقرَّان من بعدُ عليه.
وأعترف بأن هذا التحديد لا يمكن أن يكون تاماً، ولا نستطيع أن نضع لِكُل من العقل والعاطفة التعريف الجامع المانع، أو (الحدَّ) الذي يريده أهل المنطق، لأن مدلول كل لفظ يدخل في مدلول الآخر، فهما كدائرتين متقاطعتين، ففي كلٍّ قسمٌ متميِّز مختص بها، ولكن فيها قسماً لايدرى أهو منها أم هو من الأخرى، ثم إنه لا يصدق التشبيه ولا يكمل إلا إذا تصورت في الدائرتين حركة دائمة كحركة المدِّ والجزر، فهما لا تسكنان أبداً.
على أن الأمم كلها قديماً وحديثاً قد فرقت بين العقل والقلب، وجعلت