فكر ومباحث (صفحة 24)

انتشاراً في فيافي نجد، أم في قصور باريز؟ أو ليس في باريز أمراض لا أثر لها في البادية؟ فليس إذن من فضل للعلم في أنه داوى بعض الأمراض، بل هو مسؤول عن نشرها كلِّها؟

وتعال يا سيدي ننظر نظرة شاملة، هل البشر اليوم (في عصر العلم) أسعد أم في العصور الماضية؟ أنا لا أشك في أن سعادتهم في العصور الماضية، عصور الجهالة (كما يقولون) كانت أكبر وأعمق، ذلك لأن السعادة ليست في المال ولا القصور ولا الترف ولا الثقافة، ولكن السعادة نتيجة التفاضل بين ما يطلبه الإنسان، ويصل إليه، فإذا كنت أطلب عشرة دنانير وليس عندي إلا تسعة فأنا أحتاج إلى واحد، فسعادتي ينقصها واحد، أما روكفلر فسعادته ينقصها مليون، لأن عنده تسعة وتسعين مليوناً وهو يطلب مائة. فأنا بدنانيري التسعة أسعد من روكفلر ... وكذلك الإنسان. لم تكن مطاليبه كثيرة في الماضي فكان سعيداً لأنه يستطيع أن يصل إليها، أو إلى أكثرها. أما مطاليبه اليوم فهي كثيرة جداً لا يستطيع أن يصل إلى بعضها فهو غير سعيد!

...

هذا وأنا لا أعني الأدب بمعناه الضيق، أي الكلام المؤلف نثراً أو نظماً، بل أعني الأدب بالمعنى الآخر. أريد كل ما كان وصفاً للجمال وتعبيراً عنه لا فرق عندي بين أن تعبِّر عن الجمال بصورة أو تمثال أو مقطوعة من الشعر. ولا فرق عندي بين أن تصور غروب الشمس بالريشة والألوان، أو بالألفاظ والأوزان، فالموسيقي أديب، والمصور أديب، والنحَّات أديب، والشاعر أديب، والأدب بهذا المعنى أهم من العلم، وأنفع للبشرية ... ولو كره العالمون (?)!

...

طور بواسطة نورين ميديا © 2015