فقال يحيى: قد اختلفتما وأنتما رئيسا بلديكما، فمن يحكم بينكما؟
قال الكسائي: هذه العرب ببابك قد وفدوا عليك، وهم فصحاء الناس فاسألهم.
- فقال يحيى: أنصفت.
وأحضروا فسئلوا، فاتَّبعوا الكسائي فاستكان سيبويه وقال:
- أيها الوزير. سألتك إلا ما أمرتهم أن ينطقوا بذلك، فإن ألسنتهم لا تجري عليه، وكانوا إنما قالوا: الصواب ما قاله هذا الشيخ!
- فقال الكسائي ليحيى: أصلح الله الوزير، إنه قد وفد إليك من بلده مؤملاً، فإن رأيت ألَّا ترده خائباً.
فأمر له بعشرة آلاف درهم، فخرج إلى فارس فمات بها بعد قليل غماً وأسى!
في حين أن الحق كان في الذي يقوله سيبويه، وأن الكسائي كان -كما يقول السيوطي- ممن أفسدوا النحو، لأنه كان يسمع الشاذ الذي لا يجوز إلا في الضرورة فيجعله أصلاً.
وزاد النحو فساداً على هذا الفساد، ابتغاؤهم العفلَّة والسبب، لكل ما نطقت به العرب، وسعيهم لتعليل كل منصوب ومخفوض، وسلوكهم في ذلك أبعد السبل من الواقع، وأدناها إلى التنطع والوهم. من ذلك ما رواه ابن خلكان من أن أبا علي الفارسي كان يوماً في ميدان شيراز يساير عضد الدولة، فقال له:
- بم انتصب المستثنى في قولنا: قام القوم إلا زيداً؟ قال الشيخ: بفعل مقدر. قال: كيف تقديره؟ قال: أستثني زيداً. فقال له: هلَّا رفعته وقدرت الفعل امتنع زيد!
فانقطع الشيخ وقال: