وإذا كان (ملك النحاة) (?) بعد أن أنفق عمره كله في تعلم النحو وتعليمه، يستشكل عشر مسائل، وتستعصي عليه فيسميها «المسائل العشر، المتعبات إلى يوم الحشر» (?) ويأمر أن توضع معه في قبره، ليحلها فيه! فما بالك بأمثالنا من (السوقة)؟ وكيف نفهم هذا النحو وندركه إدراكاً بله الاستفادة منه؟ وأن نجتنب به الخطأ في النطق وفي الفهم؟
ومن يقبل على النحو، وهو يرى هذه الشروح وهذه الحواشي التي تحوي كل مختلف من القول، وكل بعيد من التعليل، وفيها كل تعقيد، حتى ما ينجو العالم من مشاكلها مهما درس وبحث ونقب، ولا يستقر في المسألة على قول حتى يبدو له غيره أو يجد ما يردُّه ويعارضه، كالقائم على ظهر الحوت، لا يميل إلى جانب إلاَّ ميل به إلى جانب، ولا يدري متى يغوص الحوت، فيدعه غريقاً في اليمِّ؟
وسبب هذا التعقيد -فيما أحسب- أن النحاة اتخذوا النحو وسيلة إلى الغنى، وطريقاً إلى المال، وابتغوه تجارة وعرضاً من أعراض الدنيا، فعقَّدوه هذا التعقيد وهوَّلوا أمره، حتى يعجز الناس عن فهمه إلَّا بهم، فيأتوهم، فيسألوهم، فيعطوهم، فيغتنوا.
روى الجاحظ في كتاب الحيوان، أنه قال للأخفش: ما لك تكتب الكتاب فتبدؤه عذباً سائغاً، ثم تجعله صعباً غامضاً ثم تعود به كما بدأت؟
قال: ذلك لأن الناس إذا فهموا الواضح فسرَّهم، أتوني ففسرت لهم الغامض فأخذت منهم!
وروى السيوطي: أن سيف الدولة سأل جماعة من العلماء بحضرة ابن خالويه ذات ليلة: هل تعرفون اسماً ممدوداً وجمعه مقصور؟