ذلك سبيلٌ؛ احتياطًا للصحة واتقاءً للضرر، وتنزهًا عمَّا تستقذره النفوس وتنفرُ منه الطباع (?)، وبذلك أيضًا أفتتِ اللجنةُ الدائمة للإفتاء بالمملكة" (?).

والحاصل أن الاتفاق واقعٌ على أن الماء الكثير المتنجس إذا زال تغيُّرُهُ بنفسه أو بالمكاثرة، أو طرح ما يُطَهِّرُهُ فيه فإنه يَطْهُرُ، ثم الخلافُ جارٍ في: هل يُجْزِئُ في طهارة شرعية به يزول الخبث، ويرتفع الحدث، فالجمهور على أنه طاهر مطهِّر لغيره.

وخالف في ذلك الدكتور بكر أبو زيد -رحمه الله- واعْتَبَرَ هذا الماءَ المنقَّى في حكم القليلِ؛ لأن تنقية مياه الصرف تتم بتكريرِهِ وإضافَةِ موادَّ منقيِّةٍ يسيرةٍ إليه، وانتهى إلى أن هذا النوع من المياه يُسَمَّى بطاهرٍ غيرِ مطهِّرٍ، ولا يجوز التطهُّرُ بها لعلَّةِ الاستخباثِ والاستقذارِ (?).

الترجيح:

لا يَبْلُغُ الأمرُ بهذا الماء أن يُمْنَعَ التطهُّرُ به إذا لم يوجد غيرُهُ، ولا يصلح أن يعتبر الواجد له كالفاقد للماء الطهور يعدل عنه إلى التيمم، فهو طاهر مطهِّر، ويُكْرَهُ التطهُّرُ به ولا يَحْرُمُ، فهو أشبه بماء سُخِّنَ بالنجاسة، وماءٍ مستعملٍ في طُهْرٍ لا يرفع حدثًا كتجديدِ وضوءٍ، وغسلة ثانية أو ثالثة، وماءِ بئرٍ بمقبرةٍ، ونحو ذلك، مما هو معلوم من مذهب الحنابلة (?).

فالكراهية هنا من طريق الورع، ورعايةً للخلاف، ومع الحاجة إليه يتعيَّنُ استعمالُهُ وترتفع الكراهة. وقد سُئِلَ مالكٌ -رحمه الله-، عن جباب (جمعُ: جُبٍّ، وهو البئر الواسع)، تُحْفَرُ فتسقط فيها الميتة فتغير لونه وريحه، ثم يطيب الماء بعد ذلك؟ فأجاب: أنه لا بأس به (?).

وعليه: فإن المسلم الذي قد يعيش في بلاد يُعادُ فيها استعمالُ مياه الصرف الصحي، لا يَحْرُمُ عليه أن ينتفع بها، حيث لا مضرَّةَ عليه في دينه ولا بدنه، وإن كان الأولى تركه.

ومتى حَكَمَ الأطباءُ وعلماءُ الأمراض بأنه لا ضررَ مِنْ شُرْبِهِ وتعاطيه جازَ ذلك. والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015