منها، بحكم ذلك صار السبر للعلل والأوصاف القاضية للمنع في كلِّ أو بعضِ الاستعمالات، فتحصَّلَ أن مياه المجاري قبل التنقية مُعَلَّةٌ بأمور:

الأول: الفضلات النجسة باللون والطعم والرائحة.

الثاني: فضلات الأمراض المعدية، وكافة الأدواء والجراثيم (البكتيريا).

الثالث: علة الاستخباث والاستقذار لما تتحول إليه باعتبار أصلها، ولما يتولد عنها في ذات المجاري من الدواب والحشرات المستقذرة طبعًا وشرعًا.

ولذا صار النظر بعد التنقية في مدى زوال تلكم العلل، وعليه:

فإن استحالتها من النجاسة بزوال طعمها ولونها وريحها، لا يعني ذلك زوالَ ما فيها من العلل والجراثيم الضارَّةِ، والجهات الزراعية توالي الإعلامَ بعدم سقي ما يؤكل نتاجُهُ من الخضار بدون طبخ فكيف بِشُرْبِهَا مباشرةً، ومن مقاصد الإسلام: المحافظةُ على الأجسام؛ ولذا لا يُوْرَدُ ممرضٌ على مصحٍّ، والمنع لاستصلاح الأبدان كالمنع لاستصلاح الأديان.

ولو زالت هذه العلل لبقيت علةُ الاستقذار والاستخباث باعتبار الأصل لماءٍ يُعْتَصَرُ من البول والغائط فَيُستعمل في الشرعيَّات والعادات على قدم التساوي.

وقد عُلِمَ من مذهب الشافعية، والمعتمَدِ لدى الحنبلية أن الاستحالة هنا لا تؤول إلى الطهارة مُسْتَدِلِّينَ بحديث النهي عن ركوب الجلَّالة وحليبِها (?) رواه أصحاب السننِ وغيرُهم ولعللٍ أخرى.

مع العلم أن الخلاف الجاري بين متقدمي العلماء في التَّحَوُّلِ من نجس إلى طاهر هو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015