ومن هذا الباب: لم يُعْطِ عمرُ المؤلفةَ قلوبهم من الزكاة (?)، وأسقط الحد عمن سرق في عام المجاعة (?).
على أنه لا ينبغي أن يهمل أن مراتب الصالح قد تتغير بتغير الأزمان والأمصار والأحوال؛ فما كان حاجيًّا في زمن قد يصير ضروريًّا في غيره، وما كان تحسينيًّا قد يغدو حاجيًّا؛ وذلك لتغير ظروف الحياة والبيئات والأعراف؛ فلا شك أن الكهرباء -مثلًا- في الزمن الأول رُبَّما كانت تحسينية، أما الآن فهي حاجية، ومن قبل الحاجات العامة، وقد يصل النظر بها إلى رتبة الضروري، وهذا له تعلُّقٌ على كل حال بالحاجي والتحسيني دون الضروري؛ فإنه في كل زمان ومكان يبقى الضروري ضروريًّا؛ لأنه يُمَثِّلُ النظام العام والأصول الشرعية؛ فالتغير لا يجري إلا فيما كان حاجيًّا أو تحسينيًّا (?).
وقد روي عن عمر عبد العزيز: "تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور" (?).
ولا سيما الاجتهاد الجماعي، وأن يتمتع المجتهد بالجمع بين فقه الشرع وفهم الواقع، وبالجمع بين إدراك المسألة الجزئية والإحاطة بالأصول العامة والقواعد الكلية، مع توفر آلات الاجتهاد وأدوات الفُتيا، وإمعان النظر، واختبار كل تغير في الأحوال والأحداث.
وأخيرًا فإن الذي يقول -في حقِّ هذه العوائد والأعراف-: إنها تغيرت وبالتالي تتغير الفتيا المرتبة عليها إنما هم أهل العلم والمعرفة بالشرع، وليس أهل الهوى والجهل (?).