بمعنى أن العادة حتى تُعْتَبَرَ لا بد من تكرار استعمالها وشيوع العمل بها إلى أن يصير المعنى المنقول إليه مفهومًا بغير قرينة، ويكون هو السابق إلى الفهم دون غيره عند الإطلاق (?).
وهذا الشرط مختلَفٌ فيه كالشرط السابق.
فإذا تحققت الشروط السالفة كان العرف ملزِمًا ومعتبرًا، وهو ما أشار إليه الفقهاء والأصوليون بعباراتٍ متعددةٍ وقواعدَ محددةٍ.
ومما ينبغي استحضاره: أن العرف ليس دليلًا بذاته وإن اتُّفِقَ على اعتباره؛ فالعرف ترجع دلالته إلى الكتاب والسنة والإجماع، فدلالته ليست ذاتية على التحقيق.
وأما قول الفقهاء: "إن الثابت بالعرف كالثابت بالنص" (?) فمعناه: أن ما أجمله النص فبينه فبينه العرف فهو كالثابت بالنص، وهو ما عُبِّرَ عنه بصورة أوضح في مثل قولهم:
"التعيين بالعرف كالتعيين بالنص" (?)، "المعروف كالمشروط" (?)، و"المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا (?).
وغاية العرف أن يكون أمارةً كاشفة عن المصلحة التي دعت الناس إلى التعامل بما تعارفوه، وكان ذلك سببًا في انتشاره واطِّراده، فإن كانت تلك المصلحة حقيقيةً وليست بملغاة ولم تعارض نصوص الشريعة؛ فإنها تعتبر من المصلحة المرسلة، وهي معتبرة من أدلة التشريع في الجملة.