إلى الخمر لإزالة الغصة لم يجز له التعدي عن هذا القدر، ومن استشير في شأن خاطب أو ناكح، لم يعدل إلى التصريح متى كان التعريض بقدْحِه كافيًا؛ كأن يقول: لا يصلح لك. . . ونحو ذلك (?).
ويدل على ذلك قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} [البقرة: 173]، ففي التفسير: الباغي هو آكل الميتة فوق الحاجة، والعادي هو آكلها مع وجود غيرها، أو الباغي هو من أكلها شهوةً وتلذذًا، والعادي هو من أكل إلى حد الشبع (?).
ومن القواعد التي دلت على هذا الضابط قاعدة: "ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها" (?).
وكذا الحاجة تقدر بقدرها، فإذا كان الطبيب يجوز له أن ينظر من العورة بقدر ضرورة العلاج، فليس له أن يزيد عليها، وليس له أن يخلو بالمرأة الأجنبية عنه.
وإذا أجاز بعض العلماء للمضطر من المغتربين في غير بلاد المسلمين أن يعمل بعمل محرم لسد رمقه، والإبقاء على نفسه، فليس له أن يبقى مستمرئًا للعمل المحظور، فضلًا عن أن يبقى متربحًا منه! وإنما ما جاز لعذر فإنه يبطل بزواله، كما سيأتي.
وهذا الضابط يتعلق بزمن العمل بحكم الضرورة، فيتقيد زمن الإباحة للمحظور ببقاء الضرورة أو الحاجة التي تنزل منزلتها، فإذا زال العذر المبيح لانتهاك المحرم عاد الأمر إلى سابق عهده من التحريم والمنع، ولا يجوز حينئذٍ العمل بالخلف والبدل؛ إذ لا يجوز الجمع بين البدل والمبدل منه، فإذا زال المانع عاد الممنوع إلى حكمه الأول.
وهذا معنى القاعدة الفقهية: "ما جاز لعذر بطل بزواله" (?).