بالمسلمين، ويثير الفتن بينهم، وله أن يمتنع عن الفُتيا إن كان قصد المستفتي -كائنًا من كان- نصرة هواه بالفتوى، وليس قصده معرفة الحق واتباعه" (?).
فالمفتي يجب أن يكون على إدراك بأحوال المستفتي ليعطيه ما يناسبه من الأحكام، وليضع الرخصة موضعها، ويجب أيضًا أن يكون عالمًا بمسالك المستفتين ومآربهم، فمن الناس من يتخذ التيسير وسيلةً إلى الإقدام على المحرمات، ولا يزيده الإفتاء بالأيسر إلا إصرارًا على المعصية واغترارًا بحاله.
والناس متفاوتون في درجة تمسكهم بدينهم واستقامتهم عليه، فمنهم: الحريص على أحكام الدين الذي يحمل نفسه على العزيمة وعلى مقتضى الورع، ومنهم: المتساهل الباحث عن المخارج، اللاهث وراء الحيل، المائل إلى التفلت من الأحكام.
هذا وقد سبق النقل عن غير واحد من العلماء تحريم التساهل في الفُتيا، وعدم جواز استفتاء المتساهل الذي عرف بالتساهل وعدم التحري، منهم: النووي، وابن الصلاح، وابن مفلح، وغيرهم (?).
علاوة على ما ذكر من قواعد أصولية تتعلق بالحاجة والمشقة فإنه ترتبط جملة من القواعد الأصولية بالقاعدة الفقهية "المشقة تجلب التيسير"، ومن ذلك: المصلحة المرسلة، والاستحسان، والترجيح بدفع المشقة، وفيما يلي بيان وجه الارتباط.