المشقة العليا أوجب التخفيف، وما دنا منها من المشقة الدنيا لم يوجب التخفيف" (?).
فإذا وُجدت مشقة حقيقية غير معتادة، أو ضرورة يترتب على مخالفتها خطر، أو حاجة تنزل منزلة الضرورة -عامة أو خاصة- ويترتب على مخالفتها عسر وصعوبة وعنت، فعندئذٍ يتوجه الأخذ بالأيسر، ويصح للمفتي أن يعمل بمبدأ التيسير؛ لأن القاعدة أن: "الضرورات تبيح المحظورات" وأن "الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة أو خاصة" وأنه: "لا واجب مع العجز، ولا حرام مع الضرورة"، قال تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}.
أما إذا لم يوجد ما يدعو إلى التيسير؛ فإن التيسير عندئذٍ يكون اتباعًا للهوى، وتحكيمًا للشهوة، وهو حرام إجماعًا، قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "لا يجوز للمفتي تتبع الرخص لمن أراد نفعه، فإنْ تَتَبَّعَ ذلك فسقَ، وحَرُمَ استفتاؤه" (?).
وقد نبه الشاطبي -رحمه الله- إلى أمر مهم، وهو أن الحرج إذا كان عامًّا اعتُبِر، وإذا كان خاصًّا لم يعتبر، ونقل عن ابن العربي (?) أنه قال: "إذا كان الحرج في نازلةٍ عامة في الناس فإنه يسقط، وإذا كان خاصًّا لم يعتبر عندنا، وفي بعض أصول الشافعي اعتباره" (?)
فإذا كان الإفتاء بالأيسر لن يرفع الحرج، ولن يزيل المشقة، ولن يحقق المقصود منه