والشريعة جارية في التكليف بمقتضاها على الطريق الوسط الأعدل (?)، فهي بمجموعها في متناول المكلف آخذة من كل طرف بقسط لا ميل فيه، فلا ميل جهة طرف التشديد، ولا ميل جهة طرف التخفيف، وهذا هو عدل الشريعة، وهو الاقتصاد الذي عبر عنه بعض العلماء فقال: "الاقتصاد رتبة بين رتبتين، ومنزلة بين منزلتين، والمنازل ثلاثة: التقصير في جلب المصالح، والإسراف في جلبها، والاقتصاد بينهما" (?).
وقد قال تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29].
وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67]، وفي الحديث: "ليُصَلِّ أحدكم نشاطه، فإذا كسل أو فتر فليقعد" (?).
وهذه القاعدة كالمقيدة للقاعدة السابقة والمخصصة لنطاقها، فإن التيسير والتخفيف والترخص ينبغي أن يكون منضبطًا بضابط المشروعية أولًا.
والتخفيف الوارد في القاعدة قد يعرف بأنه ضد التثقيل سواء أكان حسيًّا أم معنويًّا (?)، أو يقال بأنه: "تسهيل التكليف أو إزالة بعضه" (?).
والتخفيف أخص من التيسير؛ إذ هو تيسير ما كان فيه عسر في الأصل، ولا يدخل فيه ما كان في الأصل مُيَسَّرًا (?)، ولا شك أن الشريعة مبناها على رفع الحرج، وعلى