وكذلك كلما كان النظر جماعيًّا وتمهل الإنسان وتأنى وتثبت واستشار أهل الخبرة والاختصاص والنظر الصحيح؛ كان أوفق للحق، فإن يد الله مع الجماعة وما كان أكثر فهو أحب إلى الله {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 83] (?).
بل إن أهل الفُتيا المحققين ليعلمون أنه قد لا يصلح الناس إلا الإفتاء بالقول المرجوح، فهو وإن كان مرجوحًا لكنه رجحان نسبي، فقد يختاره المفتي الرباني ويرجحه لمدرك من المدارك، وهذا لا يصلح أن يخضع للهوى والتشهي، بل يخضع لشرع الله ومراعاة المصالح العامة وجمع كلمة الناس، ونحو ذلك، {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220]، والحاصل: أن من مارس الفُتيا ونوَّر الله بصيرته وتضلع من النصوص وكلام الأئمة وكان ناصحًا للناس خائفًا من ربه تعالى وُفق لمراعاة هذا الضابط على الوجه الصحيح؛ إذ المعروف أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعوائد والأحوال، وذلك كله من دين الله (?).
فلكل زمان حكم والناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم (?).
غير أنه لا يصح أن يطلق العنان في ذلك للمفسدين والمبطلين ومتبعي الهوى ليخالفوا النصوص والقواعد بحجة مراعاة العرف والزمان والمكان، أو ليتأولوا تأويلًا باطلًا متعسفًا، أو ليطوعوا الشريعة لواقع غير إسلامي بدعوى فهم الواقع ومراعاة العرف وتغير الزمان والمكان، بل لا يقوم بهذا إلا العالم الرباني الذي امتلأ قلبه بخشية الله، واتبع رسول