وقد عبَّر الشاطبي -رحمه الله- عن مجال الاجتهاد ومَحالِّه المعتبرة لجريان الاجتهاد المقبول فيها بقوله: "مجال الاجتهاد المعتبر ما تردد بين طرفي النفي والإثبات" (?).

فهو يسلط الضوء على مسرح الاجتهاد المعتبر من المجتهد المتأهل لذلك بأنه ما لم يظهر فيه مقصود الشارع ظهورًا بينًا في الإثبات أو النفي؛ بل ما تردد بينهما.

فأفعال المكلف -سواء أكانت قلبية أم بالجوارح، فعلًا أم كفًّا- لا تخلو من أن يَرِدَ فيها خطاب للشارع أو لا.

فإن لم يَرِدْ فيها خطاب للشارع فهي إما فرض غير موجود، وإما أن تحمل على البراءة الأصلية، وهذا يرجع إلى خطاب الشارع بالعفو أو غيره، وفي الحديث: ". . . وترك أشياء من غير نسيان من ربكم ولكن رحمة منه لكم" (?).

فإن كانت مما ورد فيه خطاب شرعي، وظهر فيه قصد الشارع في النفي أو الإثبات، فهذا قطعي في دلالته، وليس من مَحالِّ الاجتهاد أو مجالاته.

فإن لم يظهر فيه قصد مؤكد للشارع في النفي أو الإثبات وكان مترددًا بينهما فهو ظني اجتهادي، ومراتب الظني في النفي أو الإثبات تختلف وتتفاوت شدةً وضعفًا، حتى تنتهي إما إلى العلم في طَرَفٍ، وإما إلى الشك في الطرف الآخر، فما كان من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015