ولا شك أن هذه الفتيا مراعًى فيها مآل استبقاء الحكم الأصلي المقتضي تحديد أجل المزارعة أو المغارسة في خصوص بلدهم؛ إذ ذلك يجرُّ بلا شك إلى اطِّراح العمل في هذين المجالين؛ مما يجعل أولئك المستثمرين -والأمة كذلك- في حرج كبير، أما المستثمرون فلتضررهم بفوات العمل الذي يتكسبون به لأنفسهم وعيالهم، وأما الأمة فتتضرر بانعدام الأوقات التي تشتد حاجتها إليها؛ وذلك بلا شك مخالف لمقاصد الشريعة في رعايتها لمصالح الخلق، ورفعها للحرج عنهم.
وهذه الاعتبارات هي التي بعثت أولئك الأساطين على توخي المصلحة العامة في ضوء الأصول العامة والقواعد الكلية للشريعة (?).
قسم الفقهاء الأقدمون العالم إلى دار إسلام ودار كفر، ودار الكفر تنقسم إلى دار حرب ودار عهد (?).
ويستدل لهذا التقسيم بحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: "كان المشركون على منزلتين من النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين؛ كانوا مشركي أهل حرب يقاتلهم ويقاتلونه، ومشركي أهل عهد لا يقاتلهم ولا يقاتلونه. . . " (?).
وقد ترتب على هذا التقسيم من اختلاف الأحكام المتعلقة بأهل دار الإسلام وأهل دار الكفر عند بعض الفقهاء الشيء الكثير، سواء فيما يتعلق بالمعاملات أو الأحوال الشخصية أو الجنايات، وسواء فيما يخص التعامل بين المسلم والمسلم أو بين المسلم وغير المسلم.