اختلاف عصرٍ وأوان، لا اختلاف حجة وبرهان (?).
لقد تجلَّى أثر المكان في الفُتيا وفي الأحكام الاجتهادية بشكل ظاهر في أنواع وأمثلة كثيرة، منها:
فالدية في أسنان الإبل تختلف باختلاف المكان عند عمر -رضي الله عنه-؛ إذ الجناية في الحرم غيرها في سائر الأماكن، ومقدار التغليظ ثلث الدية سواء كانت الدية إبلًا أو غيرها في بقية الأجناس، لكن الإمامين أبا حنيفة ومالكًا لا يفرقان بين القتل في الحرم وغيره من حيث الدية. أما عند الشافعي وأحمد فيجب التغليظ، وإن اختلفا في كيفية التغليظ (?).
تبدو البيئة بجميع عناصرها -ومن أهمها: المكان- مؤثرة في الأحكام الشرعية بوجه أو بآخر، ذلك أن الناس يكتسبون بعض خصائصهم من بلادهم، وتؤثر فيهم تضاريسها ومناخها، فالمناطق المتحضرة تختلف ويختلف أهلها وفقهها عن غيرها من أماكن البادية، وكنتيجة لذلك تتغير أوقات العمل على حسب درجة البرودة والحرارة أو الاختلافات الأخرى، مثل ما هو الحال في القطبين والأماكن الأخرى؛ وهذا من أسباب تغيير الإمام الشافعي لمذهبه القديم بعد أن جاء إلى مصر (?).