وصف الأفعال بالتحليل والتحريم والكراهة والندب والإيجاب وصفًا حقيقيًّا قائمًا بالأفعال؛ إذ لا يقوم عَرَض بعَرَض، ولا يقع التكليف إلا بالأعراض، وإنما هو عبارة عن تعلق خطاب الشرع بالأفعال" (?)، ثم يعود فيقرر مذهب الحنفية الأصولي فيقول: "أسباب التحريم والتحليل ضربان: أحدهما: قائم بالمحل الذي يتعلق به فعل المكلف، والثاني: خارج عن المحل، فأما القائم بالمحل من أسباب التحريم فهو كل صفة قائمة في المحل موجبة للتحريم، كصفة الخمر فإنها محرمة لما قام بشربها من الشدة المطربة المفسدة للعقول، وكالميتة حرمت لا قام بها من الاستقذار" (?).
الترجيح:
إن كان من ترجيح بين هذين المذهبين اللذين توسع الأصوليون في عرضهما وبيان أدلتهما والإيرادات وما تندفع به ونحو ذلك، فإنه يترجح مذهب القائلين بتعلق الحكم الشرعي بالأعيان والتصرفات لخصائص ذاتية أو ملازمة، تناسب الحكم وتصلح له؛ ذلك أن الأدلَّة مصرحة بهذا أتم تصريح، ومبينة له أوضح بيان، فإن الله تعالى ما حرم الزنا لحسنه، ولا لانعدام صفة القبح فيه، بل رتب الله تحريمه على تحقق معنى الفاحشة فيه، وسوء سبيله وسبيل من سلكه.
قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32].
والله تعالى يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فيأمر بالعدل والإحسان، ولا يأمر بالفحشاء، والعدل والإحسان والفحشاء خصائص ذاتية في الأفعال تقتضي أمرًا بها أو نهيًا عنها، فلا يجوز أن يأمر تعالى بالفحشاء، أو أن ينهى عن العدل والإحسان، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 28].