وهو فقه يراد منه حفظ دين هؤلاء الأفراد والطوائف والجماعات، والتأكيد على هويتها وقيمها وأخلاقها الإسلامية.
كما يراد منه ضبط صلتها بالمجتمع الذي تعيش فيه، فلا انعزال ولا ذوبان، وإنما تفاعلٌ واعٍ، وتأثيرٌ نافعٌ، وانتفاعٌ مشترَكٌ.
ثم يأتي التطلع إلى نشر الإسلام بطريقة سلمية بين صفوف الأكثرية، والتمكين للإسلام وأهله على تلك الأرض.
ثم إن لهذه الأقليات عملَهَا الذي يمكن أن يُسْتَثْمَرَ في مصلحة قضايا الأمة على جميع الأصعدة والمجالات السياسية والاقتصادية والإعلامية.
وغني عن البيان أن مصطلح: "فقه الأقليات المسلمة" يتضمن ما هو أبعدُ من الإجابة عن سؤالات في أمور عملية تتعلق بالمكلفين هنالك، فهو أكبر وأعمق من ذلك، وإن كانت المسائل ذات الطبيعة الفقهية تفرضُ نفسَهَا بإلحاح لإيجاد الجواب عنها، وهو أمر تنامى الاهتمام به مؤخَّرًا فرديًّا وجماعيًّا، حتى كثرت في ذلك الفتاوي وتعددت؛ بل واضطربت -أحيانًا- وتخالفت!
ثم إن الشأن أنه إذا كثرت الفروع وتعددت أن تُرَدَّ إلى أصول جامعة تضبط وحدتها، وتقيم منهجها على سَنَنٍ واضحةٍ، ومعالِمَ لائحةٍ.
ولا شكَّ أن الحياة المعاصرة بطبيعتها المتطورة، وإيقاعها المتلاحق -ولا سيما في بلاد الأقليات المسلمة- يدفع للوجود بمسائلَ متشابكةٍ، ونوازلَ مُعَقَّدَةٍ.
ونوازل تلك الأقليات المسلمة في الدرجة القصوى من وعورة المسالك، ودقة المآخذ؛ لغياب الإسلام عن حكم تلك الأقليات، وتعدد الديانات والولاءات، واستضعاف المسلمين هناك، مع قلة العلم الشرعي أو انعدامه أحيانًا، والتباس منهج الاستنباط والحكم أحيانًا أخرى.
وهو أمر يدعو إلى بذلِ أقصى وسعٍ، واستفراغِ كل جهدٍ في تأصيل أحكام تلك النوازل، وضبط منهج الاستدلال لها، والوصول إلى الحكم الشرعي فيها.