وهل يدخل تدبير شئون الأقليات المسلمة في تلك البلاد خاصة، وتمكينها من صيانة حقوقها ورعاية مؤسساتها ورفع الظلم أو تخفيفه عنها -في مفهوم السياسة الشرعية؟
مع العلم أن المشاركة السياسية في تلك البلاد لن تخلوَ من مخالفات ضرورةَ أن المظلة التي تظلل تلك البلاد في جملتها أحكامُ غيرِ المسلمين يَحْكُمُ بها غيرُ مسلمين، وأن جمهور تلك البلاد وسوادَهَا الأعظم من غير المسلمين أيضًا، حتى لو قُدِّرَ أن عدد المسلمين في الهند أو الصين يُعَدُّ بعشرات الملايين فهم أقلية وسط مئات الملايين من غير المسلمين.
وإذا جاز للأقليات المسلمة أن تشارك في الأنظمة السياسية، فما هو الموقف من تلك المخالفات السياسية، بل والعقدية التي قد تقع في هذا المجال، وما هي الضوابط الحاكمة لهذه الممارسة؟
ومن المسلَّم به أن هذه القضية من قضايا السياسة الشرعية، والتي تدور حول تقدير الموازنة بين المصالح والمنافع من جهة، والمفاسد والمضار من جهة أخرى.
وهو باب يتعلق بالولايات الشرعية، وبقواعد التزاحم والتدافع بين المصالح والمفاسد، ويدور في فلك اختيار خير الخيرين، ودفع شر الشرَّين.
كما يتناوله فقهُ الاستحسان الأصولي، وقواعد الحاجة والضرورة، والمصالح المرسلة؛ كل ذلك في تداخل وتمازج يتطلب فصلًا بين الأحكام وتقريرًا لها، كما ينظر للمآلات رعايةً لها.
ولا شك أن هذه النازلة على جِدَّتها لها أصولٌ وسوابقٌ يمكن الردُّ إليها والتخريجُ عليها بعد استثارة السوابق الفقهية والفتاوي النوازلية عبر تراثنا الفقهي التليد.
ولا يخفى على مطلع أن فقهاءنا الأقدمين قد بحثوا مسائل في الولاء والبراء، ومسائل في الاستعانة بغير المسلم، والتعامل معه، وتوليته، والتولي له، وانقسم العلماء الأقدمون إلى فريقين: مبيح وحاظر.