وفي العصر الحديث عرَّفها الشيخ عبد الرحمن تاج شيخ الأزهر بقوله: "هي الأحكام التي تنظم مرافق الدولة، وتُدَبَّرُ بها شئون الأمة، المتفقة مع روح الشريعة، النازلة على أصولها الكلية، المحققة لمقاصدها، ولو لم يرد عليها شيء من النصوص التفصيلية الجزئية الواردة في الكتاب والسنة" (?).
والسياسة الشرعية هي سياسة باعتبار القائمين عليها، وتدبير أمور الناس بما يصلحهم، وهي شرعية باعتبارها تطبيقات لأحكام الشرع فيما ورد فيه نصٌّ، أو هي تطبيق لأحكام شرعية مبناها الاجتهاد، وهي المستندة إلى عمومات النصوص، وقواعد الشرع ومبادئه العامة.
فالكتاب والسنة هما المرجعان الأساسيان للسياسة، سواء بنصوصهما الدالة على أحكام تفصيلية، أو بما اشتملا عليه من قواعد عامة، وأحكام كلية، أو بما رسما من مناهج وخطط للاجتهاد.
وأساس السياسة الشرعية وغايتها: هو تحصيل المصلحة المعتبرة شرعًا، ولا تكون كذلك إلا إذا حافظت على مقصود الشارع في تشريع الأحكام، وإذا كانت المصلحة أمرًا عتباريًّا يختلف باختلاف مشارب الناس، وعاداتهم وأعرافهم، فإن المعتبر من ذلك كله ما ورد الشرع برعايته والاعتداد به.
على أن الأحكام السياسية على ضربين؛ يسمي ابن القيم -رحمه الله- النوع الأول: بالشرائع الكلية التي لا تتغير بتغير الأزمنة والأمكنة، بينما يسمي الثاني: بالسياسات الجزئية بحسب المصلحة وتختلف باختلاف الأزمنة، فهي إذن تتقيد بها زمانًا ومكانًا وظرفًا (?)، ومسائل هذا النوع كثيرة، منها: إيقاف عمر -رضي الله عنه- حد السرقة عامَ الرمادة،