اختلافًا يستدعي تَغَيُّرَ الحكم لِتَغَيُّر الواقعِ الذي يَتَنَزَّلُ عليه؟ إن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وإن اختلاف الصور الواقعية يتطلبُ اختلافَ الأحكام الشرعية. والتزامُ حكمٍ واحد لا يتغيَّرُ مهما تَغَيَّرَ الواقع جمودٌ يأباه الفقه السليم، وتعطيلُ الأحكام الشرعية يرفضُهُ الفهمُ القويم.
وعليه، فليس من السائغ إطلاقُ القول بالرِّدَّةِ على هذا العمل، وقد سبق القولُ بضرورة التفريقِ في هذا البابِ بين الحكم الأصلي للتجنس في صورته المطلقة المعتادة، وبين حكمه في ضوء ما احْتَفَّ به من قرائنَ وملابساتٍ في واقع الجاليات الإسلامية المقيمة خارج بلاد الإسلام، فإذا تجرَّدَ التجنسُ عن هذا المضمون السابق، وأصبح لا يعدو لدى المتجنسِ أن يكون وسيلةً لترتيب شئونهِ، وتوطينِ وجودِهِ ودفعتْ إليه ضروراتٌ ملجِئَةٌ، أو حاجات ماسَّة، مع بقاءِ صاحبِهِ حفيظًا على ولائه وبرائه، مقيمًا على عهده مع الله ورسوله، فإنه يصبح من موارد الاجتهاد، ولا يبعد القول بمشروعيته في هذا الإطار، فإن القبول التامَّ لشرائع الكافرين، والرضا بها ظاهرًا وباطنًا هو المقصود عند الحديث عن الإيمان والكفر في هذا الباب، أما مجرد الخضوع أو القبول الظاهري لهذه الشرائع تحقيقًا لمصلحة من المصالح، أو إمضاءً لأمر من الأمور، مع بقاء القلب على اطمئنانه بالإيمان، والتزامه بشرائع المسلمين فهو متعلِّقٌ بالفروع.
ويتردد أمرُهُ بين الحِلِّ والحرمة أو الكراهة بحسب الأحوال، ولكنه لا يبلغ مبلغَ الكفر في الأعمِّ الأغلبِ، وفي دساتيرِ القومِ نصوصٌ على حرية المعتقدات الدينية، وحماية التصرفات التي تصدر بناءً عليها، وهي في هذا المقام قد تصلح لتقييد ما يَرِدُ في عقد التجنس من بنودٍ مخالِفَةٍ للشريعة.
وعلى الجانب الآخر نجد قول المجيزين للتجنس لا تنقصه المرونة والمراعاة للواقع، ولكن يعيبه الخضوعُ المستمِرُّ لضغط الواقع، وهو مسلك في غاية الخطورة؛ لأنه يُفضي إلى ما بعده!!