بأنه كان في مندوحة عن هذا البلاءِ، فلماذا يرمي نفسَهُ في غمارِهِ، ولماذا يذلُّ نفسَهُ؟ وقد تقدَّمَ قولُهُ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 97]، فلم يعذر هؤلاء الذين بَقَوا في مكة مستضعفينَ، وأُكْرِهُوا على مقاتلة إخوانهم المسلمين يومَ بدرٍ، فكيف بِمَنْ قَبِلَ بمحض إرادته الانضواءَ تحت لواء أعداء الله؟!
ولا يصح أن يقال: إن التعهد الذي يبذله المتجنس لا يعدو أن يكون إجراءً شكليًّا، فهو موضعُ نظرٍ، بل غلطٌ لا محالةَ؛ لأنه عهد وميثاق، والقوم يعنون ما يفعلون، ولو علموا أن طالب التجنس يخادعهم، ويبيت عدم الالتزام بنظمهم لما قبلوا منحه الجنسية بحال من الأحوال، ومن ناحية أخرى فإن المواثيق والعهود في الإسلام لا يجوز فيها المعارِيض فضلًا عن الكذب، واليمين على ما استحلفك عليه صاحبُكَ، ولا سيما أنه ليس في الأمر إكراهٌ ولا شبهةُ إكراهٍ.
ناقش المانعون أدلةَ القائلين بالجواز على النحو التالي:
1 - الاستدلال بحفظ الشريعة للكليات الخمس، وبأن التجنس وسيلة لذلك استدلالٌ في غير موضعه؛ لأن حفظ الشريعة للكليات الخمس يكون بطرق مشروعة، لا بفعل المحرمات وترك الواجبات، ثم إن مصلحة حفظ الدين مقدَّمة على كل مصلحة سواها، والتجنس هادم للدين وحالِقٌ للديانة؛ فأين هي المصلحة، وأين هو حفظ الكليات؟!
2 - وأما التسوية بين التجنس والإقامة، فلا يسلَّم أصلًا جواز الإقامة مع المحاذير المذكورة، والتي لا انفكاك عنها إلا بالمكابرة، قال تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120].
ولو سلم جوازُ الإقامة فالتجنس محظور؛ لأنه مختلِفٌ عنها؛ إذ يلزم منه التزامات