الدفاتر وسامروا القماطر1 والمحابر وكدّوا في حصر لغاتها طباعهم وأشهروا في تقييد شواردها أجفانهم وأجالوا في نظم قلائدها أفكارهم وأنفقوا على تخليد كتبها أعمارهم فعظمت الفائدة وعمَّت المصلحة وتوفّرت العائدة.

وكلما بدأت معارفها تتنكَّر أو كادت معالمها تتستّر أو عَرَض لها ما يشبه الفترة ردَّ الله تعالى لها الكرَّة فأهبَّ ريحها ونفق سوقها بفرد من أفراد الدهر أديب ذي صدر رحيب وقريحة ثاقبة ودراية صائبة ونفس سامية ةهمَّة عالية يحبُّ الأدب ويتعصَّب للعربية فيجمع شملها ويكرم أهلها ويحرِّك الخواطر الساكنة لإعادة رونقها ويستثير المحاسن الكامنة في صدور المتحلين بها ويستدعي التأليفات البارعة في تجديد ما عفا2 من رسوم طرائفها ولطائفها مثل الأمير السيد الأوحد أبي الفضل عبيد الله بن أحمد الميكالي1 أدام الله تعالى بهجته وأين مثله وأصله أصله وفضله فضله:

هيهات لا يأتي الزمان بمثله ... إن الزمان بمثله لَبَخيلُ

ما عسيت أن أقول فيمن جمع أطراف المحاسن ونظم أشتات الفضائل وأخذ برقاب المحامد واستولى على غايات المناقب فإن ذُكِرَ كَرَمُ المنصب وشرف المُنْتَسَب كانت شجرته الميكالية في قرار المجد والعلاء أصلها ثابت وفرعها في السماء وإن وُصِفَ حُسنُ الصورة الذي هو أول السعادة وعنوان الخير وسمة السيادة كان في وجهه المقبول الصبيح ما يستنطق اللسان بالتسبيح لا سيما إذا ترقرق ماء البشر في غرَّته وتفتق نور الشَّرف من أسرته وإن مُدِحَ حُسْنُ الخُلُقِ فله أخلاق خُلِقْنَ من الكرم المحض وشِيَمٌ تُشَام منها بارقة المجد فلو مُزِجَ بها البحر لعَذُبَ طعمه ولو استعارها الزمان لما جار على حرٍّ حُكمه وإن أُجرِيَ حديث بُعد الهمَّة ضربنا به المثل وتمثلنا همَّته على هامة زُحل وإن نُعِتَ الفِكرُ العميق والرأي الزنيق3 فله منهما فلك يحيط بجوامع الصَّواب ويدور بكواكب السداد ومرآة تريه ودائع القلوب وتكشف عن أسرار الغيوب وإن حُدِّثَ عن التواضع كان أولى بقول البحتري2 ممن قال فيه: [من الوافر]

دنَوتَ تواضعا وعَلوت مَجدا ... فشأناك انخفاض وارتفاع

كذاك الشمس تَبعُد أن تُسامى ... ويدنو الضوء منها والشعاع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015