الجواب: قبل أن نذكر نواقض الوضوء، أحب أن أنبه إلى مسألة تخفى على كثير من الناس، وهي أن بعض الناس يظنون أن الاستنجاء أو الاستجمار من فروض الوضوء، فتجدهم يسألون كثيراً عن الرجل ينقض الوضوء في أول النهار، ثم يؤذن أذان الظهر وهو لم ينقض وضوءه بعد، وهو لم يتوضأ حين نقض وضوءه أولاً، فيقول: إذا أذن الظهر هل أغسل فرجي مرة ثانية أو لا فنقول: لا تغسل فرجك، لأن غسل الفرج إنما هو لتطهيره من النجاسة عند البول أو الغائط، فإذا لم يحصل ذلك بعد التطهير الأول، فإنه لا يطهر، وحينئذ نعرف أنه لا علاقة بين الاستنجاء الذي هو غسل الفرج مما تلوث به من النجاسة، وبين الوضوء، وهذه مسألة أحب أن يتنبه لها.
أما ما يتعلق بنواقض الوضوء: وهي مفسداته ومبطلاته، فنذكر منها: الغائط، والبول، والريح، والنوم، وأكل لحم الجزور.
فأما الغائط والبول والنوم فقد دل عليها حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه، قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا ننزع خفافنا إذا كنا سفراً ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم" (?) ،
وهذا تؤيده الآية الكريمة في الغائط حيث قال الله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) (النساء: 43) .
وأما الريح: فلما جاء في حديث عبد الله بن زيد وأبي هريرة رضي الله عنهما، فيمن أشكل عليه أخرج منه شيء أم لا؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا ينصرف أولا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً" (?) ، وهذا دليل على أن الريح ناقض للوضوء فهذه أربعة أشياء: البول، والغائط، والريح، والنوم.
ولكن النوم لا ينقض الوضوء إلا إذا كان عميقاً، بحيث يستغرق النائم فيه، فلا يعلم عن نفسه لو خرج منه شيء، لأن النوم مظنة الحدث، وليس حدثاً في نفسه، فإذا نعس الإنسان في صلاته أو خارج صلاته، ولكنه يعي نفسه لو أحدث لأحس بذلك، فإنه لا ينتقض وضوءه ولو طال نعاسه، ولو كان متكئاً أو مستنداً أو مضطجعاً، لأن المدار ليس على الهيئة، ولكن المدار على الإحساس واليقظة، فإذا كان هذا الناعس يحس بنفسه لو أحدث، فإن وضوءه باق ولو كان متكئا أو مستنداً أو مضطجعاً، وما أشبه ذلك.
وأما الخامس من نواقض الوضوء: فهو أكل لحم الإبل: لأن النبي صلى الله عليه وسلم صح عنه أنه سئل: نتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم، وسئل عن الوضوء من لحم الغنم؟ قال " إن شئت" (?) ، فإجابته بنعم في لحم الإبل، وبأن شئت في لحم الغنم، دليل على أن الوضوء من لحم الإبل ليس راجعاً إلى مشيئته، بل هو أمر مفروض عليه، ولو لم يكن مفروضاً لكان راجعاً إلى المشيئة، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم "إنه أمره بالوضوء من لحم الإبل" (?) ، وعلى هذا فإذا أكل الإنسان لحم إبل انتقض وضوءه، سواء كان الأكل كثيراً أم قليلاً، وسواء كان اللحم نيئاً أو مطبوخاً، وسواء كان اللحم من اللحم الأحمر الهبر أو من الأمعاء، أو من الكرش، أو من الكبد، أو من القلب، أو من أي شيء كان من أجزاء البدن، لأن الحديث عام لم يفرق بين لحم وآخر، والعموم في لحم الإبل كالعموم في لحم الخنزير، حين قال الله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) (المائدة: 3) ، فإن لحم الخنزير هنا يشمل كل أجزاء بدنه، وهكذا لحم الإبل الذي سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء منه، يشمل جميع أجزاء البدن، وليس في الشريعة الإسلامية جسد واحد تختلف أحكامه، فيكون جزء منه له حكم وجزء منه له حكم آخر، بل الجسم كله تتفق أجزاؤه في الحكم، ولا سيما على القول بأن نقض الوضوء بلحم الإبل علته معلومة لنا، وليس تعبداً محضاً.
وعلى هذا فمن أكل لحم إبل من أي جزء من أجزاء البدن وهو على وضوء، وجب عليه أن يجدد وضوءه، ثم اعلم أن الإنسان إذا كان على وضوء، ثم شك في وجود الناقض، بأن شك هل خرج منه بول أو ريح، أو شك في اللحم الذي أكله، هل هو لحم إبل أو لحم غنم، فإنه لا وضوء عليه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل، يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال: " لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً" (?) ، يعني حتى يتيقن ذلك، ويدركه بحواسه إدراكاً معلوماً لا شبهة فيه، ولأن الأصل بقاء الشيء على ما كان عليه حتى نعلم زواله، فالأصل أن الوضوء باق حتى نعلم زواله وانتقاضه.