الجواب: الحقيقة أنه ليس هناك من إضافة، لأن الأصول الأربعة التي ذكرناها واضحة وكافية، لكن قد نحتاج إلى تفصيل في مسألة الأخلاق، فإن من أهم ما يكون من الأخلاق: اجتماع الكلمة، والاتفاق على الحق الذي أوصانا الله به سبحانه وتعالى في قوله: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (الشورى: 13) .
وأخبر أن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً أن محمداً صلى الله عليه وسلم بريء منهم، فقال الله عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) (الأنعام: 159) ، فاتفاق الكلمة وائتلاف القلوب من أبرز خصائص الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة، فهم أعني الفرقة الناجية إذا حصل بينهم خلاف ناشئ عن اجتهاد في الأمور الاجتهادية، لا يحمل بعضهم على بعض حقداً ولا عداوة ولا بغضاء، بل يعتقدون أنهم إخوة، حتى وإن حصل بينهم هذا الخلاف، حتى إن يصلى الواحد منهم خلف الشخص، يعتقد المأموم أنه ليس على وضوء، ويعتقد الإمام أنه على وضوء، مثل أن يصلي الواحد منهم خلف شخص أكل لحم إبل، وهذا الإمام يعتقد أنه لا ينقض الوضوء، والمأموم يعتقد أنه ينقض الوضوء فيرى أن الصلاة خلف ذلك الإمام صحيحة، وإن كان هو لو صلاها بنفسه لرأى أن صلاته غير صحيحة، كل هذا لأنهم يرون أن الخلاف الناشئ عن اجتهاد فيما يسوغ فيه الاجتهاد ليس في الحقيقة بخلاف، لأن كلا من المختلفين قد تبع ما يجب عليهما إتباعه من الدليل الذي لا يجوز له العدول عنه، فهم يرون أن أخاهم إذا خالفهم في عمل ما إتباعاً للدليل، هو في الحقيقة قد وافقهم، لأنهم هم يدعون إلى إتباع الدليل أينما كان، فإذا خالفهم موافقة للدليل عنده، فهو في الحقيقة قد وافقهم، لأنه تمشى على ما يدعون إليه، ويهدفون إليه، من تحكيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولا يخفى على كثير من أهل العلم، ما حصل من الخلاف بين الصحابة في مثل هذه الأمور، حتى في عهد نبيهم صلى الله عليه وسلم ولم يعنف أحداً منهم، فإنه عليه الصلاة والسلام لما رجع من غزوة الأحزاب، وجاءه جبريل، وأشار إليه أن يخرج إلى بني قريظة الذين نقضوا العهد، ندب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فقال: "لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة" (?) . فخرجوا من المدينة إلى بني قريظة، وأرهقتهم صلاة العصر، فمنهم من أخر صلاة العصر حتى وصل إلى بني قريظة بعد خروج الوقت، ولم يصل إلا بعد غروب الشمس، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة"ومنهم من صلى الصلاة لوقتها، وقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد منا المبادرة للخروج، ولم يرد منا أن نؤخر الصلاة عن وقتها، وهؤلاء هم المصيبون، لكن مع ذلك لم يعنف النبي صلى الله عليه وسلم واحدة من الطائفتين، ولم يحمل كل واحد على الآخر عداوة أو بغضاء بسبب اختلافهم في فهم هذا النص.
لذلك أرى أن الواجب على المسلمين الذين ينتسبون إلى السنة أن يكونوا أمة واحدة، وألا يحصل بينهم تحزب، هذا ينتمي إلى طائفة ما، والآخر ينتمي إلى طائفة أخرى، والثالث إلى طائفة ثالثة وهكذا، بحيث يتناحرون فيما بينهم بأسنة الألسن، ويتعادون ويتباغضون من أجل اختلاف يسوغ فيه الاجتهاد، ولا حاجة إلى أن أنص على طائفة بعينها، ولكن العاقل يفهم ويتبين له الأمر، فأرى أنه يجب على أهل السنة والجماعة أن يتحدوا حتى وإن اختلفوا فيما يختلفون فيه مما تقتضيه النصوص حسب أفهامهم، فإن هذا أمر فيه سعة ولله الحمد، والمهم ائتلاف القلوب، واتحاد الكلمة، ولا ريب أن أعداء المسلمين يحبون من المسلمين أن يتفرقوا، سواء كانوا أعداء يصرحون بالعداوة أو أعداء يتظاهرون بالولاية للمسلمين أو للإسلام، وهم ليسوا كذلك، فالواجب أن نتميز بهذه الميزة التي هي ميزة الطائفة الناجية وهي الاتفاق على كلمة واحدة.
التوسل الصحيح والتوسل الباطل