الجواب: أما بالنسبة للأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في المسعى فيحضرني منها الأخطاء التالية:
الأول: النطق بالنية، فإن بعض الحجاج إذا أقبل على الصفا قال: إني نويت أن أسعى سبعة أشواط لله تعالى، ويعين النسك الذي يسعى فيه، يقول ذلك أحياناً إذا أقبل على الصفا، وأحياناً إذا صعد إلى الصفا، وقد سبق أن النطق بالنية من البدع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينطق بالنية لا سراً ولا جهراً، وقد قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب: 21) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها)) (?) وهذا الخطأ يتلافى بأن يقتصر الإنسان على ما في قلبه من النية، وهو إنما ينوي لله عز وجل، والله تعالى عليم بذات الصدور.
الخطأ الثاني: أن بعض الناس إذا صعد إلى الصفا واستقبل القبلة، جعل يرفع يديه ويشير بهما كما يفعل ذلك في تكبيرات الصلاة، صلاة الجنازة، أو عند تكبيرات الإحرام والركوع والرفع منه، أو القيام من التشهد الأول، يرفعها هكذا إلى حذو المنكبين ويشير، وهذا خطأ، فإن الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أنه رفع يديه وجعل يدعو، وهذا يدل على أن رفع اليدين هنا رفع دعاء، وليس رفعاً كرفع التكبير، وعليه فينبغي للإنسان إذا صعد الصفا أن يتجه إلى القبلة، ويرفع يديه للدعاء، ويأتي بالذكر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المقام، ويدعو كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الخطأ الثالث: أن بعض الحجاج يمشي بين الصفا والمروة مشياً واحداً، مشيه المعتاد، ولا يلتفت إلى السعي الشديد بين العلمين الأخضرين، وهذا خلاف السنة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسعى سعياً شديداً في هذا المكان، أعني: في المكان الذي بين العلمين الأخضرين، وهما إلى الصفا أقرب منهما إلى المروة، فالمشروع للإنسان إذا وصل إلي العلم الأخضر الأول الذي يلي الصفا: أن يسعى سعياً شديداً بقدر ما يتحمله، بشرط ألا يتأذى ولا يؤذي أحداً بذلك، وهذا إنما يكون حينما يكون المسعى خفيفاً، فيسعى بين هذين العلمين ثم يمشي إلى المروة مشيه المعتاد، هذه في السنة.
الخطأ الرابع: على العكس من ذلك؛ فإن بعض الناس إذا كان يسعى تجده يرمل في جميع السعى، من الصفا إلى المروة، ومن المروة إلى الصفا، فيحصل في ذلك مفسدتان أو أكثر:
المفسدة الأولى: مخالفة السنة.
والمفسدة الثانية: المشقة على نفسه؛ فإن بعض الناس يجد مشقة شديدة في هذا العمل؛ لكنه يتحمل بناء على أن ذلك هو السنة، فتجده يرمل من الصفا إلى المروة، ومن المروة إلى الصفا، وهكذا حتى ينهي سعيه.
ومن الناس: من يفعل ذلك لا تحرياً للخير، ولكن حبا للعجلة، وإنهاء للسعي بسرعة، وهذا شر مما قبله؛ لأن هذا ينبئ عن تبرم الإنسان بالعبادة، وملله منها، وحبة الفرار منها، والذي ينبغي للمسلم أن يكون قلبه مطمئنا، وصدره منشرحاً بالعبادة، يحب أن يتأنى فيها على الوجه المشروع الذي جاءت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما أن يفعلها وكأنه يريد الفرار منها، فهذا دليل على نقص إيمانه، وعدم اطمئنانه بالعبادة.
والمفسدة الثالثة من الرمل في جميع أشواط السعي: أنه يؤذي الساعين، فأحياناً يصطدم بهم ويؤذيهم، وأحياناً يكون مضّيقاً عليهم وزاحماً لهم، فيتأذون بذلك، فنصيحتي لإخواني المسلمين في هذا المقام: أن يتأسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن هديه خير الهدي، وأن يمشوا في جميع الأشواط إلا فيما بين العلمين، فإنهم يسعون سعياً شديداً؛ كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ما لم يتأذوا بذلك أو يؤذوا غيرهم.
الخطأ الخامس: أن بعض الناس يتلو قوله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) (البقرة: من الآية158) في كل شوط، كلما أقبل على الصفا، وكلما أقبل على المروة، وهذا خلاف السنة؛ فإن السنة الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلاوة هذه الآية أنه تلاها حين دنا من الصفا بعد أن أتم الطواف وركعتي الطواف وخرج إلى المسعى، فلما دنا من الصفا قرأ: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) (ابدأ بما بدأ الله به)) (?) إشارة منه صلى الله عليه وسلم إلى أنه إنما جاء ليسعى؛ لأن هذا من شعائر الله عز وجل، وأنه إنما بدأ من الصفا؛ لأن الله تعالى بدأ به، فتكون تلاوة هذه الآية مشروعة عند ابتداء السعي، إذا دنا من الصفا وليست مشروعة كلما دنا من الصفا في كل شوط، ولا كلما دنا من المروة، وإذا لم تكن مشروعة فلا ينبغي للإنسان أن يأتي بها إلا في الموضع الذي أتى بها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الخطأ السادس: أن بعض الذين يسعون يخصصون كل شوط بدعاء معين، وقد سبق أن هذا من البدع، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يخصص كل شوط بدعاء معين لا في الطواف ولا في السعي أيضاً، وإذا كان هذا من البدع، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كل بدعة ضلالة)) (?) .
وعليه: فاللائق بالمؤمن أن يدع هذه الأدعية، وأن يشتغل بالدعاء الذي يرغبه ويريده، يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، ويذكر الله، ويقرأ القرآن، وما أشبه ذلك من الأقوال المقربة إلى الله سبحانه وتعالى؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما جعل الطواف بالبيت، وبالصفا والمروة، ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر الله)) (?)
الخطأ السابع: الدعاء من كتاب لا يعرف معناه؛ فإن كثيراً من الكتب التي يأيدي الحجاج لا يعرف معناها، بالنسبة لحاملها، وكأنهم يقرؤونها تعبداً لله تعالى بتلاوة ألفاظها؛ لأنهم لا يعرفون المعنى، ولا سيما إذا كانوا غير عالمين باللغة العربية، وهذا من الخطأ أن تدعو الله سبحانه وتعالى بدعاء لا تعرف معناه.
والمشروع لك: أن تدعو الله سبحانه وتعالى بدعاء تعرف معناه، وترجو حصوله من الله عز وجل؛ وعليه: فالدعاء بما تريده أنت، بالصيغة التي تريدها ولا تخالف الشرع؛ أفضل بكثير من الدعاء بهذه الأدعية التي لا تعرف معناها، وكيف يمكن لشخص أن يسأل الله تعالى شيئاً وهو لا يدري ماذا يسأله؟! وهل هذا إلا من إضاعة الوقت والجهل؟ 1 ولو شئت لقلت: إن هذا من سوء الأدب مع الله عز جل؛ أن تدعو الله سبحانه وتعالى بأمر لا تدري ما تريد منه!!
الخطأ الثامن: البداءة بالمروة؛ فإن بعض الناس يبدأ بالمروة جهلاً منه يظن أن الأمر سواء فيما إذا بدأ من الصفا أو بدأ من المروة، أو يسوقه تيار الخارجين من المسجد، حتى تكون المروة أقرب إليه من الصفا فيبدأ بالمروة جهلاً منه وإذا بدأ الساعي بالمروة، فإنه يلغي الشوط الأول، فلو فرضنا أنه بدأ بالمروة، فأتم سبعة أشواط، فإنه لا يصح منها إلا ستة، لأن الشوط الأول يكون لاغياً، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى وجوب البداءة بالصفا حيث قال: ((أبدأ بما بدأ الله به)) (?)
الخطأ التاسع: أن بعض الناس يعتبر الشوط الواحد من الصفا إلى الصفا، يظن أنه لابد من إتمام دورة كاملة كما يكون في الطواف من الحجر إلى الحجر، فيبدأ من الصفا وينتهي إلى المروة، ويجعل هذا بعض الشوط لا كله، فإذا رجع من المروة إلى الصفا اعتبر هذا شوطاً واحداً، وعلى هذا فيكون سعيه أربعة عشر شوطاً، وهذا أيضاً خطأ عظيم، وضلال بين؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم سعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط، لكنه ابتدأ بالصفا واختتم بالمروة، وجعل الذهاب من الصفا إلى المروة شوطاً، والرجوع من المروة إلى الصفا شوطاً آخر، وهذا الذي يقع من بعض الحجاج إنما يكون جهلاً منهم بالسنة، وتفريطاً منهم في عدم التعلم، وقد أشرنا مراراً إلى أنه ينبغي- بل يجب- على المسلم إذا أراد أن يفعل عبادة، أن يتعلم حدود ما أنزل الله فيها قبل أن يفعلها، وهذا التعلم من فروض الأعيان، لأنه لا يستقيم دين المرء إلا به، أعني تعلم حدود ما أنزل الله في عباده يريد الإنسان أن يفعلها، هو من فرض الأعيان، يجب عليه أن يتعلم حدود ما أنزل الله في هذه العبادة؛ ليعبد الله تعالى على بصيرة.
الخطأ العاشر: السعي في غير نسك، يعني أن بعض الناس يتعبد لله تعالى بالسعي بين الصفا والمروة في غير نسك، أي: في غير حج ولا عمرة، يظن أن التطوع بالسعي مشروع كالتطوع بالطواف، وهذا أيضاً خطأ، والذي يدلنا على هذا أنك تجد بعض الناس في زمن العمرة- أي: في غير زمن الحج يسعى بين الصفا والمروة بدون أن يكون عليه ثياب الإحرام، مما يدل على أنه محل، فإذ سألته لماذا تفعل ذلك؟ قال: لأني أتعبد لله عز وجل بالسعي، كما أتعبد بالطواف، وهذا جهل مركب؛ جهل مركب؛ لأنه صار جاهلاً بحكم الله، وجاهلاً بحاله، حيث ظن أنه عالم وليس هو بعالم.
أما إذا كان السعي في زمن الحج بعد الوقوف بعرفة، فيمكن أن يسعى الإنسان وعليه ثيابه المعتادة؛ لأنه يتحلل برمي جمرة العقبة يوم العيد، وبالحلق أو التقصير، ثم يلبس ثيابه ويأتي إلى مكة ليطوف ويسعى بثيابه المعتادة.
على كل حال أقول: إن بعض الناس يتعبد لله تعالى بالسعي من غير حج ولا عمرة، وهذا لا أصل له، بل هو بدعة، ولا يقع غالباً إلا من شخص جاهل، لكنه يعتبر من الأخطاء في السعي.
الخطأ الحادي عشر: التهاون بالسعي على العربة بدون عذر؛ فإن بعض الناس يتهاون بذلك، ويسعى على العربة بدون عذر، مع أن كثيراً من أهل العلم قالوا: إن السعي راكباً لا يصح إلا لعذر، وهذه المسألة مسألة خلاف بين العلماء، أي: أنه هل يشترط في السعي أن يكون الساعي ماشياً - إلا من عذر- أو لا يشترط؟ ولكن الإنسان ينبغي له أن يحتاط لدينه، وأن يسعى ماشياً ما دام قادراً، فإن عجز فلا يكلف الله نفساً إلا وسعاً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة حين قالت: إني أريد أن أطوف وأجدني شاكية. قال: ((طوفي من وراء الناس وأنت راكبة)) (?) فأذن لها بالركوب في الطواف؛ لأنها مريضة، وهكذا نقول في السعي: إن الإنسان إذا كان لا يستطيع أو يشق عليه السعي مشقة تتعبه، فلا حرج عليه أن يسعى على العربة، هذا ما يحضرني من الأخطاء في السعي.
صعود المرأة الصفا ومزاحمتها الرجال