الجواب: نعم نحن نقول: إن الله رب القلوب والألسن وليس رب القلوب فقط، والقلوب لو صلحت لصلحت الجوارح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا وأن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" (?) ، وهذا الحديث يبطل كل دعوى يدعيها بعض الناس، إذا نصحته في أمر من الأمور مما عصى الله به قال لك: "التقوى هاهنا" (?)
ويشير إلى صدره، وهي كلمة حق أريد بها باطل، والكلمة قد تكون حقا في مدلولها العام، لكن يريد بها القائل أو المتكلم معنى باطلاً، ألا ترى إلى قول الله تعالى: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ) (الأنعام: 148) ، فهم قالوا: لو شاء الله ما أشركنا، وصدقوا فيما قالوه، فلو شاء الله ما أشركوا ولكنهم لا يريدون بهذه الكلمة حقا، بل يريدون بها تبرير بقائهم على شركهم، ورفع العقوبة عنهم، ولهذا قال الله تعالى: (كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا) (الأنعام: 148) ، فلم ينفعهم الاحتجاج بالقدر حين أردوا به الاستمرار على شركهم، ورفع اللوم عنهم والعقوبة أما الواقع فإنه كما قالوا: "لو شاء الله ما أشركوا" كما قال الله تعالى لنبيه: (اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (106) (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا) (الأنعام: 106-107) لكن هناك فرق بين الحالين، فالله قال لنبيه: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا) ليبين أن شركهم واقع بمشيئته، وأن له حكمة - سبحانه وتعالى - في وقوع الشرك منهم، وليسلي نبيه صلى الله عليه وسلم بأن هذا الأمر الواقع منهم بمشيئته تبارك وتعالى.
فالمهم أن هذا الذي قال حينما نصحته: " التقوى هاهنا"قال كلمة حق لكنه أراد بها باطلاً، فالذي قال: " التقوى هاهنا" هو النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الذي قال "التقوى هاهنا" هو الذي قال: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله"، فإذا كان في القلب تقوى، لزم إن يكون في الجوارح تقوى. والعمل الظاهر عنوان على العمل الباطن.
مفهوم الإيمان