- أقل الكفن ثوب يستر بدن الميت ويعمه، وهذا هو حق الميت المشوب بحق الله. أما حق الله فقط فثوب يستر العورة.

ويسن أن يكون كفن الرجل ثلاثة أثواب، إزار ولفافتين، ولا يكره أن يضاف عليها قميص وعمامة، لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (لما توفي عبد الله بن أبي، جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاه قميصه، وأمره أن يكفنه فيه، ثم قام يصلي عليه) (?) . فإن كان في الكفن قميص وعمامة جعل ذلك تحت الأثواب، لأن إظهاره زينة وليس الحال حال زينة، ولكن الأفضل والأكمل الاقتصار على الثلاثة فقط، لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية (?) ، ليس فيها قميص ولا عمامة) (?) .

أما المرأة فيسن لكفنها خمسة: إزار، ثم قميص، ثم خمار، ثم لفافتان، لما روت ليلى بنت قانف الثقفية رضي الله عنها قالت: (كنت فيمن غسل أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاتها، فكان أول ما أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحقا ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة، ثم أدرجت بعد في الثوب الآخر. قالت: ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس عند الباب معه كفنها يناولناها ثوباً ثوباً) (?) .

وتصبح اللفائف الثلاثة واجبة إن كان ثمن الكفن من مال الميت، ولم يكن محجوراً عليه بإفلاس، وليس عليه دين مستغرق، ولو كان في الورثة من هو محجور عليه بإفلاس، ولو لم تسمح الورثة إلا بثوب. إلا إذا كان الميت أوصى أن تكون واحدة، فعندئذ يسقط الثوبان الثاني والثالث تنفيذاً للوصية.

ويجب ثوب واحد يستر البدن، إلا رأس المحرم ووجه المحرمة، إذا كان ثمن الكفن من مال من عليه نفقته، أو من بيت المال، أو من الموقوف على تجهيز الموتى، أو من أغنياء المسلمين.

وإذا كان الميت محجوراً عليه بالإفلاس فالكفن الواجب عندئذ هو الذي يسمح به الغرماء بشرط ألا يقل عن ثوب يستر جميع البدن، أما إذا لم يسمحوا إلا بثوب واحد يستر العورة فقط فلا يجابون، وإن أنفقوا مع الورثة على جعل الكفن ثلاث لفائف جاز ذلك.

ويستحب تحسين الكفن لحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كفن أحدكم أخاه فليُحَسِّن كفنه) (?) . والمراد بتحسينه بياضه، لما روى أبو المهلب سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البسوا من ثيابكم البياض فإنها أطهر وأطيب، وكفنوا فيها موتاكم) (?) . فيكره أن يكون في الكفن شيء غير البياض، نحو عصفر فوق رأسه، أو أسفل قدميه. والمراد بتحسينه كذلك: نظافته وسوغه وكثافته، لا كونه ثميناً، لما روى علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تَغَالوا في الكفن فإنه يسلبه سلباً سريعاً) (?) .

ويستحب تبخير الكفن، إلا في حق المحرم والمحرمة، وصفة ذلك أن يجعل الكفن على عود وغيره ثم يبخر كما تبخر ثياب الحي، حتى تعبق بها رائحة الطيب.

ويجوز تكفين كل إنسان فيما يجوز لبسه له في الحياة، فيحرم تكفين الرجل بالحرير، ويجوز تكفين المرأة به وإن كره، لأن فيه سرفاً، ويشبه إضاعة المال، بخلاف اللبس في الحياة فإنه تجمل للزوج. والأفضل أن تكون أثواب التكفين قطنية.

ويسن أن يكون الكفن غسيلاً لا جديداً، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "نظر أبو بكر رضي الله عنه إلى ثوب كان يمرض فيه، به ردع من زعفران، فقال: اغسلوا ثوبي هذا، وزيدوا عليه ثوبين، فكفنوني فيها، قلت: إن هذا خَلَق، قال: إن الحي أحق بالجديد من الميت، إنما هو للمُهلة" (?) . ولأنه للصديد.

كما يسن أن تبسط أحسن اللفائف وأوسعها أولاً، ويذر عليها حنوط، ثم الثانية ثم الثالثة التي تلي الميت، ويذر على كل منهما حنوط وكافور، ثم يحمل الميت إلى الأكفان مستوراً، ويترك على الكفن مستلقياً على ظهره، ويؤخذ قطن فيجعل فيه الحنوط والكافور، ويجعل بعضه بين ألييه، ويشد عليه بخرقة كما يشد التُّبّان (?) ، وبعضه على منافذ البدن كالفم والمنخرين والعينين والأذنين، وعلى خُرَاج (?) نافذ إن كان، ليخفي ما يظهر من رائحته، ودفعاً للهوام عن هذه المنافذ، ويجعل بعضه كذلك على مواضع السجود، لما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "الكافور يوضع على مواضع السجود" (?) ، ولأن هذه المواضع شرفت بالسجود فخصت بالطيب. ثم يلف عليه الثوب الذي يليه، فيضم منه شقه الأيسر على شقه الأيمن، ثم الأيمن على الأيسر، ثم يلف الثاني كذلك، ثم الثالث كذلك ثم تربط الأكفان - ما لم يكن محرماً - ثم تحل في القبر.

ويكره اتخاذ الكفن إلا من حل، أو من أثر صالح، وللوارث إبداله، فلا يجب عليه تكفينه فيه لأنه ينتقل إليه بالموت.

وتحرم كتابة شيء من القرآن على الكفن صيانة له عن صديد الموتى، وكذلك كل اسم معظم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015