قال المؤلف رحمه الله تعالى: [يُسن صوم التطوع وأفضله يوم ويوم].
يستحب صيام التطوع، وله فضائل منها: أنه تُكمّل به فريضة العبد يوم القيامة، فإذا كان يوم القيامة يقول الله جل وعلا: (انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع فتتمون به فريضته) رواه الإمام أحمد وغيره، فالتطوع تُكمّل به الفريضة.
قال رحمه الله تعالى: [وأفضله يوم ويوم] يعني: يصوم يوماً ويفطر يوماً، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: (أحب الصيام إلى الله صيام داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً) فيستحب أن يصوم يوماً ويُفطر يوماً، يصوم -مثلاً- السبت والإثنين والأربعاء والجمعة ثم الأحد، وهكذا يصوم يوماً ويفطر يوماً ولو وافق جمعة وذلك لظاهر الحديث، فإن ظاهر الحديث أنه يصوم يوماً ويُفطر يوماً ولو كان ما يصومه يوم الجمعة؛ لأن من صام يوماً وأفطر يوماً فإن ذلك يوافق الجمعة في أسبوع من كل أسبوعين، يعني: في كل أسبوعين يصوم مرة الجمعة، وسيأتي أن النهي إنما هو لإفراد الجمعة.
إذاً: الأفضل أن يصوم يوماً ويفطر يوماً، وما حكم صيام الدهر؟ صيام الدهر نوعان: النوع الأول أن يصوم الدهر كله فلا يُفطر، ويدخل في ذلك يوم العيد، وأيام التشريق، فهذا لا يجوز، عند ابن خزيمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام الدهر ضُيقت عليه جهنم هكذا).
النوع الثاني: أن يصوم الدهر كله باستثناء الأيام التي يحرم صيامها كيوم العيد وأيام التشريق ويوم الشك، فيستثني الأيام التي نهى الله جل وعلا عن صيامها ويصوم الباقي، من أهل العلم من يرى أنه يكره كـ الموفق، ومنهم من يرى أنه لا يكره وهو المشهور في المذهب.
إذاً: المشهور في المذهب أنه يجوز ولا يكره، والقول الثاني في المسألة أنه يُكره وهو اختيار الموفق، وهذا هو الراجح، ويدل على ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لـ عبد الله بن عمرو: (إنك لتصوم الدهر وتقوم الليل، وإنك إن فعلت ذلك هجمت له العين -يعني: غارت- ونهكت -يعني: تعبت- لا صام من صام الدهر) وفي النسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صام ولا أفطر).
فتغور العين من التعب؛ لأنه يصوم النهار فيضعف بدنه ويقوم الليل فيُنهك بدنه وتغور عينه.