قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الفوات والإحصار].
الفوات: من فات الشيء إذا سبق.
وأما الإحصار فهو في اللغة المنع.
والفوات في اصطلاح الفقهاء هو فوات الوقوف بعرفة.
وأما الإحصار فهو منع المحرم من إتمام نسكه.
قال: [من طلع عليه الفجر يوم النحر ولم يقف بعرفة لعذر حصر أو غيره فاته الحج، وانقلب إحرامه عمرة].
قال عليه الصلاة والسلام فيما روى الخمسة بإسناد صحيح: (الحج عرفة، فمن أدرك عرفة قبل طلوع الفجر فقد أدرك)، يعني: أدرك الحج.
وهذا الحديث فيه أن من فاته الوقوف بعرفة فقد فاته الحج، فإذا لم يقف بعرفة وفاته الوقوف بعرفة بأن طلع عليه فجر يوم النحر ولم يقف فإنه يقلب إحرامه عمرة كما قال المؤلف.
هو قد نوى الحج قارناً أو مفرداً، فيقلب الحج إلى عمرة، لكن لو جاء في يوم عرفة أو بعد غروب الشمس من يوم عرفة ليلة النحر، أو في منتصف الليل أو بعد نصف الليل أو قبل الفجر بيسير فأدرك الوقوف بعرفة فقد أدرك الحج.
إذاً: هنا قد فاته الوقوف فلم يدركه، فيكون الحج قد فاته، مثال هذا: رجل أحرم من ميقات ذي الحليفة، وفي الطريق حصل عطل في سيارته أو ضاعت نفقته أو تأخر بسبب زحام شديد أو حصل له حادث، أو نحو ذلك، فوصل مكة وقد طلع الفجر من يوم النحر فاته الحج.
ولو وصل يوم عرفة بعد المغرب بيسير مثلاً أو بعد العشاء أو قبل الفجر بحيث يدرك الوقوف بعرفة فإنه يدرك بذلك الحج، لكنه إذا لم يصل إلا وقد فاته الوقوف بعرفة فيقلب حجه عمرة.
يقول أيضاً: [ولا تجزئ عن عمرة الإسلام] أي: هذه العمرة، فهي عمرة تحلل، هذا هو المذهب، وفي الإنصاف: وقيل تجزئ.
وهذا أصح؛ لأنها عمرة ذات طواف وسعي وتقصير فأجزأت عن عمرة الإسلام، فالذي يترجح أنها تجزئه عن عمرة الإسلام.
لكن المذهب أنها لا تجزئه عن عمرة الإسلام، فإذا كان لم يعتمر من قبل فعليه أن يعتمر مرة أخرى، لأن هذه العمرة إنما هي عمرة تحلل.
قال: [فيتحلل بها، وعليه دم، والقضاء في العام القابل].
إذاً: يقلب حجه إلى عمرة، ويهدي، ويحج عاماً قابلاً، هذا هو المذهب، ويدل عليه ما ثبت في موطأ مالك عن عمر رضي الله عنه بإسناد صحيح أنه رضي الله عنه أمر من فاته الوقوف بعرفة أن يقلب حجه عمرة، وأن يهدي وأن يحج من العام القابل، وهذا الأثر عن عمر رضي الله عنه لا يعلم له مخالف، فهو حجة، بل قد اشتهر، وقول الصحابي إذا اشتهر ولم يعلم له مخالف فهو إجماع سكوتي.