قال رحمه الله تعالى: [ويسن لمسافر يباح له القصر] إذا كان المسافر يباح له القصر، وهو الذي يسافر لمسافة ثمانين كيلو، وينوي إقامة أربعة أيام فقط أو أقل، يعني: لا ينوي أكثر من أربعة أيام، هذا هو المسافر، فيسن للمسافر الفطر في رمضان، وهذا هو المشهور في المذهب، يعني: الأفضل لك -أيها المسافر- أن تفطر إن كنت في الطريق، وإن كانت نازلاً وكانت مدة إقامتك أربعة أيام فأقل، فإذا نويت أربعة أيام فأقل فإن الأفضل لك أن تُفطر، هذا هو المشهور في المذهب، واستدلوا بما جاء في حديث حمزة الأسلمي أنه سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الصوم في السفر، وذكر أن به قوة على الصيام في السفر، فهل عليه جناح في ذلك؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (هي رخصة من الله، فإن أخذت بها فحسن، وإن صمت فلا جناح عليك) قالوا: ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس من البر الصيام في السفر) متفق عليه، فهذا يدل على أن الأفضل له الفطر.
وقال الجمهور: بل الأفضل له الصوم إلا أن يشق عليه ذلك فيفطر، واستدلوا بما ثبت في الصحيحين عن أبي الدرداء أن النبي عليه الصلاة والسلام صام في السفر في يوم شديد الحر، قال رضي الله عنه: (كنا مع النبي عليه الصلاة والسلام في سفر في يوم شديد الحر حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعبد الله بن رواحة) قالوا: فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم في السفر، فهذا يدل على أنه هو الأفضل، وقد جاء في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: كان أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن، ومن وجد ضعفاً فأفطر فإن ذلك حسن.
وهذا القول هو الراجح، فالأفضل له الصوم؛ لأن ذلك أبرأ لذمته، ولأن في ذلك إيقاعاً للصوم في هذا الشهر المبارك، إلا أن يشق عليه، وهذا هو الذي تدل عليه الأدلة.
وعلى ذلك فعندنا ثلاثة أحوال للمسافر: الحالة الأولى: أن يكون المسافر لا يشق عليه الصيام، ويجد قوة عليه، فهذا الأفضل له أن يصوم، ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم في السفر كما في حديث أبي الدرداء.
الحالة الثانية: أن يشق عليه الصيام مشقة تُحتمل لكنه يضعُف، فهذا الأفضل له الفطر وأن يأخذ بهذه الرخصة، ويُحمل حديث حمزة الأسلمي على ذلك؛ لأن الغالب في السفر أن يكون في الصوم فيه مشقة.
الحالة الثالثة: أن يشق عليه مشقة شديدة حتى إنه يخشى على نفسه الضرر، فبعض الناس قد يبلغ به الحال حتى إنه ليُغمى عليه، وقد يكون يقود السيارة، فهذا يُخشى عليه الضرر، فيجب عليه الفطر، لقوله عليه الصلاة والسلام: (ليس من البر الصيام في السفر) كما في الصحيحين، قال ذلك في رجل قد ظلل عليه، يعني: اجتمع عليه الناس وازدحموا عليه حتى إنهم حجبوا الشمس عنه، وهذا يدل على أنه قد شق عليه ذلك مشقة شديدة، وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: (إن الناس قد شق عليهم الصوم، فدعا بإناء فشرب، وكان صائماً، فقيل له: إن بعض الناس قد صام.
فقال: أولئك العصاة، أولئك العصاة).
إذاً: هذا رجل قال: أنا مسافر أقمت في مكة كإقامتي في بلدي، المكيفات موجودة وأنا آخذ راحتي من النوم ولا يشق عليّ الصوم أبداً، فما هو الأفضل في حقي؟ نقول: الأفضل في حقه -على الصحيح- أن يصوم.
ورجل آخر خرج من بلده بعد صلاة العصر مسافراً بعد أن تسحّر ونوى الصيام، فالأفضل في حقه أن يُكمل الصوم، فليس فيه مشقة.
وهناك حالة أخرى، وهي أن يكون هناك مشقة لكنها مشقة تُحتمل، مثل رجل سافر في السيارة فخرج من الأحساء بعد الفجر إلى مكة بسيارته في حر يشق عليه، لكنها مشقة تُحتمل، نقول: الأفضل لك أن تأخذ بالرخصة وأن تُفطر وأن تتقوى.
وآخر شق عليه الصوم مشقة شديدة حتى إنه خُشي عليه، وأخذه شيء من الإغماء اليسير، وظهر عليه إعياء شديد، فهذا يجب عليه الفطر.