قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل في جزاء الصيد].
تقدم في درس سابق أن من محظورات الإحرام: قتل الصيد، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة:95]، وعلى ذلك فالواجب على من قتل صيداً الجزاء، والجزاء إن حكم به النبي عليه الصلاة والسلام وجب القول به، كما حكم النبي عليه الصلاة والسلام في الضبع كبش، كما في أبي داود، وإن قضى به صحابي أخذنا به؛ لأن أقوال الصحابة حجة في الأحكام إذا لم يخالفوا، فإن لم يكن فيه حكم صحابي رجعنا إلى قول عدلين خبيرين لا يشترط أن يكونا فقيهين، بل الشرط أن يكونا خبيرين عدلين، قال الله جل وعلا: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة:95].
فنقول لهذين الخبيرين: إن هذا قد قتل هذا الصيد -سواء كان من الدواب التي تدب على الأرض أو كان مما يطير في الهواء- ونقول له: حدد لنا ما الذي يماثله من بهيمة الأنعام من الإبل أو البقر أو الغنم، ولا يشترط أن يكون هذا الذي يماثل مما يجزئ في الأضحية، بل لو كان صغيراً فنسأله عن الذي يشبهه ويماثله في الصورة وفي الخلقة، ثم بعد ذلك يذبح هذا ويكون هدياً بالغ الكعبة يتصدق بلحمه على فقراء الحرم.
قال: [والصيد الذي له مثل من النعم كالنعامة وفيها بدنة] قضى بذلك عدد من الصحابة، وعلى ذلك فمن صاد نعامة فالواجب عليه أن يذبح بدنة، أي: أن يذبح ناقة أو جزوراً.
قال: [وفي حمار الوحش وبقره بقرة].
حمار الوحش معروف وهو ما فيه خطوط، فإن صاده فالواجب عليه بقرة، وكذلك في بقر الوحش.
قال: [وفي الضبع كبش]، قضى به النبي عليه الصلاة والسلام، والضبع معروف.
قال: [وفي الغزال شاة]، قضى به بعض الصحابة، فمن صاد غزالاً في أي مكان وهو محرم، أو صاده في حرم مكة ولو لم يكن محرماً، فعليه هذا الجزاء، وهو كبش.
قال: [وفي الوبر والضب جدي له نصف سنة].
والوبر: دويبة تشبه الهرة تصاد، ذكر المؤلف أن الواجب فيها جدي له نصف سنة يعني: ستة أشهر، كذلك الضب فيه جدي له نصف سنة، والجدي من صغار المعز له ستة أشهر، أي: التيس الذي له ستة أشهر.
قال: [وفي اليربوع جفرة لها أربعة أشهر].
الجفرة: السخلة التي لها أربعة أشهر، وهي تجب في جزاء اليربوع.
واليربوع هو الذي يسميه العامة بـ (الجربوع)، وهو في هيئته قريب من الفأر مع اختلافه في بعض شكله، وهو صيد حلال.
قال: [وفي الأرنب عناق].
العناق أصغر من الجفرة، وقد قلنا: إن الجفرة هي السخلة التي لها أربعة أشهر، فالعناق دونها.
قال: [وفي الحمام -وهو كل ما عب الماء كالقطا والورش والفواخت- شاة]، هذه أنواع من الطير تشبه الحمام وكلها تعب الماء عباً كما تعبه الشاة، وهذا هو وجه الشبه بينها وبين الشاة، وعب الماء هو أن تضع منقارها في الماء ثم تمص ولا ترفع رأسها وإنما تفعل كما تفعل الشاة، فالحمامة فيها شاة، وفيه أثر عن ابن عباس رضي الله عنه رواه البيهقي وغيره.
وقال المالكية: بل إنما تجب الشاة في الحمامة إذا كانت من حمام الحرم فقط، أما لو صاد حمامة خارج الحرم وهو محرم فإن الواجب فيه القيمة؛ لأن هناك فرقاً كبيراً بين الشاة والحمامة، واستدلوا بقول ابن عباس رضي الله عنه كما في سنن البيهقي: (وفي كل ما سوى حمام الحرم القيمة إذا صاده المحرم)، وهذا هو الأظهر.
وعلى ذلك فنقول: الحمام الذي يسكن في حدود الحرم الواجب فيه شاة، وإذا كان خارج الحرم فصاده محرم ففيه القيمة، مثاله: رجل أحرم من المدينة وفي الطريق وقف عند شجرة وصاد حمامة، فالواجب عليه القيمة، وهكذا ما ذكره من الطيور الأخرى من القطا والورشان والفواخت، وهذه أنواع من الطير تشبه الحمام.