جندل وأبو بصير، وأخذوا ما كان معهم؛ وإنّ زينب بنت رسول الله سألتني أن أجيرهم، فهل أنتم مجيرون أبا العاص وأصحابه؟» فقال المسلمون: نعم (?) .
وبلغ هذا الحوار أبا جندل، فأفرجوا عن الأسرى، وردّوا عليهم كلّ شيء أخذ منهم حتى العقال.
ثم جاء كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بصير ليترك مكانه، ويرجع حيث يحبّ، وكان أبو بصير يجود بأنفاسه الأخيرة، فمات والكتاب على صدره، ودفنه أبو جندل. أمّا أبو العاص بن الربيع فارتحل ببضائع قريش حتى قدم مكة، فأدى إلى الناس أموالهم حتى إذا فرغ قال: يا معشر قريش! هل بقي لأحد منكم عندي مال لم أردّه عليه؟ قالوا: لا، فجزاك الله خيرا، قد وجدناك وفيا كريما.
قال: والله ما منعني أن أسلم قبل أن أقدم عليكم إلا أن تظنّوا أنّي أسلمت لأذهب بأموالكم، فإنّي أشهد ألاإله إلا الله، وأنّ محمّدا عبده ورسوله.
وعاد إلى المدينة، فردّ عليه رسول الله امرأته زينب (?) ، وكان اختلاف الدين قد فرّق بينهما، ولم ينشئ في ذلك عقدا جديدا.
وقد أبى المسلمون عقيب صلح الحديبية أن يردّوا النسوة المهاجرات بدينهنّ إلى أوليائهنّ، إما لأنّهم فهموا أن المعاهدة خاصة بالرجال فحسب، أو لأنهم خشوا على النساء اللاتي أسلمن أن يضعفن أمام التعذيب والإهانة، وهنّ لا يستطعن مضطربا في الأرض وردّا للكيد، كما فعل أبو جندل وأبو بصير وأضرابهما.