قال حذيفة: وأوصاني الرسول صلى الله عليه وسلم- حين ولّيت- ألّا أحدث في القوم حدثا حتى اتيه، فلما دنوت من معسكر القوم، نظرت ضوء نار توقد، وإذا رجل أدهم ضخم يمد يديه إلى النار مستدفئا، ويمسح خاصرته، ويقول: الرحيل الرحيل، ولم أكن أعرف أبا سفيان قبل ذلك، فوضعت سهما في كبد قوسي وأردت أن أرميه، ثم ذكرت وصاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسكت، ولو رميته لأصبته.
وأحسست عصف الريح في جنبات المعسكر، لا تقرّ قدرا ولا نارا ولا بناء، ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش إنّكم والله ما أصبحتم بدار مقام، قد هلك الكراع والخفّ، وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون، ما تطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإنّي مرتحل، ثم قام إلى جمله وهو معقول، فجلس عليه، ثم ضربه فوثب به على ثلاث، فو الله ما أطلق عقاله إلا وهو قائم ... (?) .
ورجع حذيفة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم يقصّ عليه ما رأى ... وطلع النهار فإذا ظاهر المدينة خلاء.. ارتحلت الأحزاب، وانفكّ الحصار، وعاد الأمن، ونجح الإيمان في المحنة!.
وهتف رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا إله إلّا الله واحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعزّ جنده، وهزم الأحزاب واحده، فلا شيء بعده..!» (?) .