كما أنّ اليهود عالنوا بسخريتهم، وتركوا وساوس الغش تلحّ عليهم، وتكدّر سيرتهم مع المسلمين.
ومن أصعب الأمور قياد الأمم عقب الهزائم الكبيرة، وقياد الدعوات بعد الانكسارات الخطيرة، وإن كان الرجال يستسهلون الصعب، ويصابرون الأيام حتى يجتازوا الأزمات.
وقد جاءت السّنة الرابعة للهجرة والمسلمون لمّا يداووا جراحاتهم في (أحد) ؛ إلّا أنّ الأحداث لا تنتظر، فقد أخذ البدو يتحرّكون نحو المدينة، يحسبون أنّ ما فيها أصبح غنيمة باردة، وأول من تهيّأ لغزو المدينة بنو أسد، فسارع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعث أبي سلمة على رأس مئة وخمسين رجلا؛ ليبغت القوم في ديارهم قبل أن يقوموا بغارتهم (?) .
ولم يلق أبو سلمة عناء في تشتيت أعدائه واستياق نعمهم أمامه، حتى عاد إلى المدينة مظفرا، وأبو سلمة يعدّ من خيرة القادة الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبقوا إلى الإيمان والجهاد معه، وقد عاد من هذه الغزاة مجهودا؛ إذ نغر عليه جرحه الذي أصابه في أحد، فلم يلبث حتى مات.
وحاول خالد بن سفيان الهذلي أن يحشد الجموع لحرب المسلمين، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أنيس فقتله (?) وهو يجتهد في تأليب القبائل للهجوم على المدينة.
وثارت هذيل لرجلها بأن أعانت على تسليم أسرى المسلمين إلى أهل مكة في غزوة الرّجيع.