من سرّ هذا الإلهام؟ من مشرق هذا الضياء؟ من مبعث هذا الاقتدار؟

إنه محمد صلى الله عليه وسلم! إنه هو الذي ربّى ذلكم الجيل الفذّ، ومن قلبه الكبير أترعت هذه القلوب تفانيا في الله، وإيثارا لما عنده.

[إصابة النبي صلى الله عليه وسلم] :

وقد أصيب هذا النبي الجليل صلى الله عليه وسلم في (أحد) أصيب في بدنه؛ إذ دخلت حلقات المغفر في وجهه، فأكبّ عليه أبو عبيدة يعالج انتزاعها بفمه، فما خلصت من لحمه حتى سقطت معها ثنيتاه (?) ، ونزف الدم- غزارة- من جراحته، كلّما سكب عليه الماء ازداد دفقا، فما استمسك حتى أحرقت قطعة من حصير فألصقت به (?) .

وكسرت كذلك رباعيته (?) ، وكسرت البيضة (?) على رأسه؛ ومع ذلك فقد ظل متقد الذهن، يوجه أصحابه إلى الخير حتى انتهت المعركة.

ثم أصيب في أهله، فقتل حمزة بحربة انغرزت في أحشائه، وجاءت (هند) امرأة أبي سفيان، فاستخرجت كبده من بطنه، ولاكتها بفمها، ثم لفظتها لانفجار المرارة.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعز حمزة، ويحبه أشد الحب، فلما رأى شناعة المثلة في جسمه تألم أشد الألم، وقال: «لن أصاب بمثلك أبدا، ما وقفت قط موقفا أغيظ إليّ من هذا» (?) بيد أن التسليم لله لم يلبث أن مسح هذه الأحزان العارضة، وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفقد أصحابه، ويخفّف ما نزل بهم، ويسكب من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015