ثم نادى أبو سفيان: إنه قد كان في قتلاكم مثلة، والله ما رضيت ولا سخطت، وما نهيت ولا أمرت (?) .
ولما انصرف أبو سفيان نادى: إن موعدكم بدر العام المقبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه: «قل: نعم هو بيننا وبينك موعد» (?) .
موقعة أحد فياضة بالعظات الغوالي والدروس القيّمة، وقد نزلت في أدوارها وحوادثها ونتائجها ايات طوال، وكان لها في نفس الرسول عليه الصلاة والسلام أثر عميق، ظلّ يذكره إلى قبيل وفاته، كانت امتحانا ثقيل الوطأة، محّض السرائر، ومزّق النقاب عن مخبوئها، فامتاز النفاق عن الإيمان، بل تميّزت مراتب الإيمان نفسه، فعرف الذين ركلوا الدنيا بنعالهم فلم يعرّجوا على مطمع من مطامعها، والذين مالوا إليها بعض الميل، فنشأ عن أطماعهم التافهة ما ينشأ عن الشرر المستصغر من حرائق مروّعة.
بدأت المعركة بانسحاب ابن أبي، وهو عمل ينطوي على استهانة بمستقبل الإسلام وغدر به في أحرج الظروف، وتلك أبرز خسائس النفاق.
والدعوات- إبّان امتدادها وانتصارها- تغري الكثيرين بالانضواء تحت لوائها، فيختلط المخلص بالمغرض، والأصيل بالدخيل. وهذا الاختلاط مضرّ أكبر الضرر بسير الرسالات الكبيرة وإنتاجها.
ومن مصلحتها الأولى أن تصاب برجّات عنيفة، تعزل خبثها عنها، وقد اقتضت حكمة الله أن يقع هذا التمحيص في أحد: