فلما ووريت جثثهم، وأهيل التراب على رفاتهم، انصرف الناس وهم يشعرون أنّ أئمة الكفر قد استراح الدين والدنيا من شرورهم؛ إلا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم استعاد ماضيه الطويل في جهاد أولئك القوم، كم عالج مغاليقهم، وحاول هدايتهم؟! وكم ناشدهم الله، وخوّفهم عصيانه، وتلا عليهم قرانه؟! وهم- على طول التذكير- يتبجّحون، وبالله وآياته ورسوله يستهزئون، فخرج (?) النبي صلى الله عليه وسلم في جوف الليل حتى بلغ القليب المطويّ على أهله، وسمعه الصحابة يقول: «يا أهل القليب! يا عتبة بن ربيعة! يا شيبة بن ربيعة! يا أمية بن خلف! يا أبا جهل بن هشام! هل وجدتم ما وعد ربّكم حقّا؟ فإنّي وجدت ما وعدني ربّي حقا» !.
فقال المسلمون: يا رسول الله! أتنادي قوما جيّفوا؟! قال: «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم! ولكنّهم لا يستطيعون أن يجيبوني (?) » .
كانت واقعة بدر في السابع عشر من رمضان لسنتين من الهجرة، وقد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر ثلاثا، ثم قفل عائدا إلى المدينة يسوق أمامه الأسرى