وغشاوة الغرور ضاربة على عينيه: واللات والعزّى، لا نرجع حتى نفرّقهم في الجبال، خذوهم أخذا.
وماذا تفعل صيحات الطيش بإزاء الحقائق المكتسحة؟! لكنّ أبا جهل والحق يقال-: كان تمثالا للعناد إلى اخر رمق، والطمس المنسوج على بصيرته جزء من كيانه، لا ينفك عنه أبدا؛ لذلك أقبل يقاتل في شراسة وغضب وهو يقول:
ما تنقم الحرب الشّموس منّي؟ ... بازل عامين حديث سنّي
لمثل هذا ولدتني أمّي
وأحاطت به فلول المشركين يقولون: أبو الحكم لا يخلص إليه، فكان بينهم وسط غابة ملتفّة. بيد أنّ هذه الغابة لم تلبث أن تهاوت جذعا جذعا أمام حماس المؤمنين، الذين اشتدّ بأسهم، وأغرتهم بشائر الفوز، وساد هتافهم الموقعة، وهم يقولون: أحد أحد!.
قال عبد الرحمن بن عوف: إنّي لفي الصفّ يوم بدر، إذ التفتّ، فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن، فكأنّي لم امن بمكانهما، إذ قال لي أحدهما سرا من صاحبه: يا عمّ، أرني أبا جهل، فقلت: يا بن أخي! ما تصنع به؟ قال: عاهدت الله إن رأيته أن أقتله، أو أموت دونه! وقال لي الاخر سرّا من صاحبه مثله.
قال: فما سرّني أنّني بين رجلين مكانهما.
فأشرت لهما إليه، فشدّا عليه مثل الصّقرين، فضرباه حتى قتلاه، وهما ابنا عفراء (?) . ويظهر أنهما تركاه بين الحياة والموت، وقد استشهد البطلان في هذه الواقعة، ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصرعهما يدعو لهما ويذكر صنيعهما (?) .