هذه خطوط قصار لما يراه الناس من مظاهر الكمال في سيرة النبي (المحمد) صلى الله عليه وسلم.
أما حقيقة ما بني عليه هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من أمجاد وشمائل فأمر لا يدرك كنهه، ومعرفة العظماء لا يطيقها كلّ أحد، فكيف بعظيم خلائقه القران؟ إنّ الأمة التي أخرجت للناس في المدينة بلغت الأوج، كانت تعمل وتجاهد لله واحده، وتسعى إلى غايتها المرموقة في جذل وثّقه، التفّت حول نبيّها التفاف التلامذة بالمعلم، والجند بالقائد، والأبناء بالوالد الحنون، وتساندت فيما بينها بالأخوة المتبادلة المتناصرة، فهم نفس واحدة في أجسام متعددة، ولبنات مشدودة في بناء متسق صلب، وأدارت علاقاتها بالاخرين على العدل والبر، فليس يظلم في جوارهم بريء، أو يحرم من ألطافهم عان.
وبرغم ما وقع عليها من بغي قديم، فقد جعلت الإسلام يجبّ ما قبله.
فمن تطهر من جاهليته، وتاب إلى ربه، فلا نظر إلى ماضيه، بل ينضمّ إلى الأمة المسلمة عضوا كريما فيها، تغفر سيئاته ليستقبل- بصالح عمله- كتابه الجديد، أما الذين بقوا يكفرون ويصدّون، فلا بد من الإعداد لهم، حتى تخلص الأرض من كفرهم وصدهم:
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (169) [النساء] .
كانت هذه الأمة تكدح لله، وتصل مساءها بصباحها في عبادته، وقد حزمت أمرها على واحد من اثنين: إمّا أن تحيا لله، وإمّا أن تموت فيه!.
ولو ذهبت توازن بين المسلمين يومئذ وبين سائر العالم، لرأيت عناصر الغلب والامتياز تتجمّع- لديهم- صاعدة، على حين تفور- في كيان الملل