أدنى من منزلتك، وإن لم أدخلها لم أرك أبدا، فنزل قوله تعالى:
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (69) [النساء] «1» .
وفي الحديث: «المرء مع من أحبّ» «2» ، والمقصود حبّ الأسوة لا حبّ الهوس، فإنّ الرجل إذا أحبّ من هو مثله أو أعلى منه، فأساس هذا الحب تفتّح قلبه لخلال النبل التي خصوا بها، وعظمة المواهب التي ميزهم بها القدر.
واثار الشجاعة والكرم لا يرحّب بها الجبان الشحيح، إنما يحييها في أصحابها من أوتي حظّا منها، وهو بسبيله إلى استكمال ما فاته من تمامها.
فمن نعمة الله أن يلحق بالعظماء من يعشق فيهم جمال العظمة، ولذلك قال بعد الاية السابقة: ... ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً (70) [النساء] .
والحقّ أنّ التابع المحبّ شخص فاضل.
ففي الدنيا كثير من الأخسّاء الذين إن علوا حقّروا من دونهم، وإن دنوا كرهوا من فوقهم! فما تدري متى تخلو نفوسهم من أحاسيس البغضاء والضّعة؟.
أمّا عشاق المبادئ المجرّدة، فما إن يجدوا رجلها المنشود حتى يحيطوا به، وتلمع عيونهم حبّا له، أي حبّا للمبادئ التي حييت فيه وانتصرت به.
وما كان ربك ليضيّع هذا اليقين ولا أصحابه الأبرار.
عن أنس قال: لمّا كان اليوم الذي دخل النبيّ صلى الله عليه وسلم فيه المدينة أضاء منها كلّ شيء. فلمّا كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كلّ شيء، وما نفضنا أيدينا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا «3» .