إنكارا لهما، بل يزيد الدكتور هيكل أنّ المسلمين تضعضعوا على أثر انتشار القصة على الأفواه، واستبعاد المشركين لوقوعها، وهذا كلّه خطأ، فلا الاثار التاريخية تدلّ (?) عليه، ولا الاستنتاج الحصيف ينتهي به، ولا ندري كيف يقال هذا؟!.
مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على نهجه القديم، ينذر بالوحي كلّ من يلقى، ويخوض- بدعوته- المجامع، ويغشى المواسم، ويتبع الحجيج في منازلهم، ويغبّر قدميه إلى أسواق (عكاظ) و (مجنة) و (ذي المجاز) داعيا الناس إلى نبذ الأوثان، والاستماع إلى هدي القران، وكان يسأل عن منازل القبائل قبيلة قبيلة، ويعرض عليهم نفسه ليؤمنوا به، ويتابعوه ويمنعوه ...
وكان عمّه أبو لهب يمشي وراءه ويقول: لا تطيعوه، فإنّه صابئ كذّاب!.
فيكون جواب القبائل: أسرتك وعشيرتك أعلم بك! ثم يردّونه أقبح الردّ.
ومن القبائل التي أتاها الرسول عليه الصلاة والسلام ودعاها إلى الله فأبت الاستجابة له: (فزارة) ، و (غسان) ، و (مرة) ، و (حنيفة) ، و (سليم) ، و (عبس) ، و (بنو النضر) ، و (كندة) ، و (كلب) ، و (عذرة) ، و (الحضارمة) ، و (بنو عامر بن صعصعة) ، و (محارب بن حفصة) ... إلخ.
ما وجد في هؤلاء قلبا مفتوحا، ولا صدرا مشروحا، بل كان الراحلون والمقيمون يتواصون بالبعد عنه، ويشيرون إليه بالأصابع.
وكان الرجل يجيء من الافاق البعيدة، فيزوده قومه بهذه الوصاة: احذر غلام قريش لا يفتنك!!.
مع ذلك فإنّ الرسول عليه الصلاة والسلام- في هذا الجو القابض- لم يخامر اليأس قلبه، واستمرّ مثابرا في جهاد الدعوة، حتى تأذّن الحقّ- أخيرا- بالفرج.