ففتحت عتيدتها (?) فجعلت تنشف ذلك العرق فتعصره في قواريرها، فأفاق النبي صلّى الله عليه وسلم فقال:
«ما تصنعين يا أم سليم؟» فقالت: يا رسول الله، نرجو بركته لصبياننا، قال: «أصبت» (?) .
ومن ذلك ما جاء في الصحيحين من استباق الصحابة إلى فضل وضوئه عليه الصلاة والسلام والتبرك بالكثير من آثاره كألبسته والقدح الذي كان يشرب به (?) .
فإذا كان هذا شأن التوسل بآثاره المادية، فكيف بالتوسل بمنزلته عند الله جل جلاله؟
وكيف بالتوسل بكونه رحمة للعالمين؟
ولا يذهبن بك الوهم إلى أننا نقيس التوسل على التبرك، وأن المسألة لا تعدو أن تكون استدلالا بالقياس. فإن التوسل والتبرك كلمتان تدلان على معنى واحد وهو التماس الخير والبركة عن طريق المتوسّل به. وكل من التوسل بجاهه صلّى الله عليه وسلم عند الله والتوسل بآثاره أو فضلاته أو ثيابه، أفراد وجزئيات داخلة تحت نوع شامل هو مطلق التوسل الذي ثبت حكمه بالأحاديث الصحيحة، وكل الصور الجزئية له تدخل تحت عموم النص عن طريق ما يسمى ب (تنقيح المناط) عند علماء الأصول.
ولنكتف من تعليقنا على قصة هجرته صلّى الله عليه وسلم عند هذا القدر، لنتحدث بعد ذلك عن الأعمال الجليلة التي بدأ يقوم بها صلّى الله عليه وسلم، في المجتمع الجديد في المدينة المنورة.