(وهذا كما أنه قد ثبت باتفاق أهل العلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما حج البيت لم يستلم من الأركان إلا الركنين ايمانيين. فلم يستلم الركنين الشامين ولا غيرهما من جوانب البيت، ولا مقام إبراهيم ولا غيره من المشاعر، وأما التقبيل فلم يقبل إلا الحجر الأسود.
وقد اختلف في الركن اليماني فقيل: يقبله، وقيل: يستلمه ويقبل يده، وقيل: لا يقبله ولا يقبل يده .. والأقوال الثلاثة مشهورة في مذهب أحمد ورغيره.
والصواب: أنه لا يقبله ولا يقبل يده، فإن النبى - صلى الله عليه وسلم - لم يفعل هذا ولا هذا كما تنطق به الأحاديث الصحيحة.
ثم هذه مسألة نزاء، وأما مسائل الإجماع فلا نزاع بين الأئمة الأربعة ونحوهم من أئمة العلم أنه لا يقبل الركنين الشاميين، ولا شيئا من جانب البيت. فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستلم إلا الركنين اليمانيين، وعلى هذا عامة السلف. وقد روي «أن ابن عباس ومعاوية طافا بالبيت فاستلم معاوية الأركان الأربعة، فقال ابن عباس: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يستلم إلا الركنين اليمانيين، فقال معاوية: ليس شيئا من البيت متروكا. فقال ابن عباس: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، فرجع إليه معاوية») (?).