الرجل في هذا الوقت، أو في هذا المكان، ويؤخر دعوته في وقت آخر، أو في مكان آخر، لأنه يرى أن ذلك أصلح أو أنفع، فهذا لا بأس به. انتهى.
مناط التأثيم فيمن ترك الاحتساب , وما كيفية النجاة من شؤم معصية العاصي:
أولاً: يجب أن تعلم أولاً أن فعل الغير لا تكليف به وأنه لاتزر وازرة وزر أُخرى , فهذا نوح عليه السلام ما ضره كفر ابنه وزوجه ولوط عليه السلام ما ضره كفر زوجه وإبراهيم الخليل عليه السلام ما ضره كفر أبوه بل ولا يخفاك كفر أبي طالب الذي قال الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في شأنه (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) ولقد كان فرعون أعتى أهل الأرض وأبعده فوالله ما ضر امرأته كفر زوجها حين أطاعت ربها لتعلم أن الله حكم عدل لا يؤاخذ أحداً إلا بذنبه.
ثانياً: على المسلم النصيحة والبلاغ أما الهداية فهي على الله وقد قال الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ).
ثالثاً: يجب أن تعلم أن إثم ترك الاحتساب الواجب المتعيَن شيء ومخالفة وإثم المحتسب عليه شيء آخر, فمعصية العاصي شىء ومداهنة العاصي شىء آخر, ومجرد السكوت على المنكر لا يُعد إقراراً لصاحبه بإطلاق، حتى ولو أثِم الساكت لتفريطه مع القدرة وكانت المصلحة في الإنكار، فإنه لا يكون له حكم فاعل المنكر من كل وجه , علماً بأن الإثم يكون بالرضى بالمنكر أو بالمتابعة عليه.
رابعاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حيث العموم واجب لكن من حيث الأفراد قد يكون واجباً وقد لا يكون ولذا فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الزائد عن الإنكار القلبي لا يكون واجباً إلا في حال واحدة مشروطة بستة شروط مجتمعة: أولاها أن يكون المأمور به واجباً أو المنهي عنه محرماً أو يكون المأمور به مستحباً وتواطأ أهل بلد على تركه أو يكون المنهي عنه مكروهاً وتواطأ أهل بلد على فعله. وثانيها رجاء النفع أي أن تكون مصلحة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أعظم من مفسدته. وثالثها ألا تخشى الضرر على نفسك أو على غيرك وليس كل ضرر يكون معتبراً في إسقاط الوجوب عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فاللوم اليسير لك والوقوع في عرضك بالغيبة ولمزك أمام أحد من الناس وتجهيلك أو تحميقك ونحو ذلك لا ينبغي أن يصرفك شيء من هذا عن القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ورابعها أن يكون المنكر ظاهراً للمحتسب بغير تجسس أو يكون المنكر مستتر لكن ضرره متعدي. وخامسها أن يكون الآمر والناهي قادراً على الاحتساب بالعلم ونحوه. وسادسها ألا يكون قد قام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من يكفي فإنه في هذه الحال يكون واجباً.